بين العمرة والصدقة لماذا يكون العطاء أولى في زمن الفقر؟

لا شك عندنا بأن العمرة من العبادات الجليلة في الإسلام، وهي نافلة تُقرِّب المسلم من الله وتكفِّر الذنوب، كما نصت على ذلك كثير من الأحاديث الصحيحة ومع ذلك، حين تتغير الظروف وتتفاقم الأزمات الاقتصادية ويعاني المجتمع من الفقر والجوع كحال بلدنا هذه وما يمر به الناس، تبرز أولوية الصدقة والعطاء كعبادة تتقدم على تكرار العمرة النافلة، فالإسلام بصفته دين الرحمة والتوازن، يأمر بترتيب الأولويات وفقًا لما يحقق المصلحة العامة ويخفف من معاناة الناس.

إن مفهوم ترتيب الأولويات في الإسلام يحث على تحقيق المصلحة الأكبر والأكثر نفعًا للمجتمع، خاصة في أوقات الأزمات، وفي زمن الفقر والمجاعة، يكون الإنفاق على الفقراء والمحتاجين من أولى العبادات، نظرًا لما في ذلك من إنقاذ للأرواح وتحقيق للتكافل والتضامن الاجتماعي، ولماونصت كثير من الآيات في هذا الباب، مما يشير إلى أن العطاء في سبيل الله يُعد من أعظم أعمال البر، خاصة حين يكون الناس في حاجة ماسة.

ولو أردنا أن نستخلص فضائل الإنفاق على الفقراء والمحتاجين من القرآن والسنة والإجماع لما كفانا هذا المقال لذلك، 
ولكن نضع مقارنة يسيرة بين تكرار العمرة والإنفاق إن تكرار العمرة عبادة عظيمة، لكن أثرها يقتصر غالبًا على الفرد الذي يُؤديها، بينما الصدقة والعطاء ينفعان المجتمع بأكمله، ويُسهمان في إنقاذ الأرواح وتحقيق التوازن الاجتماعي، لهذا السبب، عندما تكون هناك حاجة ماسة للمال لإطعام الجائعين أو علاج المرضى، يكون توجيه المال إلى هذه الأغراض أولى وأعظم أجرًا عند الله من أداء عمرة نافلة.

واذا ما نظرنا في سيرة السلف الصالح نجده نموذجاً يحتذى به للبذل والعطاء كان السلف الصالح يدركون هذه الأولويات بوضوح، ومن أبرزهم  العالم الرباني المجاهد شيخ الاسلام في زمنه عبدالله بن المبارك، العالم التقي والتاجر السخي، لقد عُرف عنه أنه كان يُنفق أمواله على الفقراء والمحتاجين، ويُجهز الجيوش لنصرة المسلمين بدلًا من تكرار الحج والعمرة، ويُروى عنه قيل له: "لولا أنك تُحب الحج، لما خرجت"، فقال: "بل أحب الحج، ولكني أُفضل الإنفاق على المحتاجين؛ لأن ذلك أنفع للمسلمين".

هذا مثالاً واحداً للسلف بينما هناك الآلاف من السلف يمشون على نفس هذه الطريقة، فإذا كان هؤلاء هم سلف الأمة، فما بال خلف الأمة اليوم، يدعون أنهم سائرون على طريقة السلف، بينما هم يطبقون ما يريدون من منهج السلف ويتركون الآخر، كم نرى اليوم من هؤلاء الذين يتسابقون إلى تكرار العمرة والحج النافلة، وليست الواجبة، وأهلهم في فقر وحاجة ومجاعة، أليس الاولى والاجدر الإنفاق على الأقرب والأكثر حاجة؟
طالما ولنا في السلف الصالح نماذج عزيمة في هذا الباب.

دروس وعِبر للدعاة والمسلمين يجب تقديمها في مقالي هذا، وهي:

- إن تقديم مصلحة المجتمع ينبغي على المسلمين، خاصة في أوقات الشدة، أن يُقدّموا حاجات الناس الأساسية على أداء النوافل التي يمكن تأجيلها، فالإنفاق في زمن المجاعة يُعد ضرورة وليس مجرد فضيلة.
- تعلم التضحية والإيثار، لأن الإسلام يعلمنا أن نكون مستعدين للتضحية براحتنا ومالنا لمساعدة الآخرين، وهذا ما يجب أن يكون عليه حال المسلم في مواجهة الفقر والحرمان.
- الاستثمار في الخير العام حين نُوجّه أموالنا لدعم الفقراء والمحتاجين، نُحقق هدفًا إسلاميًا ساميًا، وهو نشر الرحمة والتكافل بين أفراد المجتمع.

وفي الأخير بين العمرة والصدقة، تكون الصدقة أولى وأعظم أجرًا في زمن الفقر والحاجة، الإسلام بعظمته ورحمته، يوجهنا إلى مراعاة حال الناس وتقديم ما ينفعهم في الدنيا والآخرة، فمتى ما وجدنا من يحتاج إلى العون والدعم، كان واجبنا كمسلمين أن نمد يد العون، لأن العطاء في أوقات الأزمات هو روح الدين وسر البركة في الدنيا والآخرة.

      ودمتم سالمين