المهمشون والمولدون في اليمن
أبين الآن / كتب / محمد الحربي
اليمن بلد غني بتنوعه الثقافي والاجتماعي، حيث تعايشت فيه مجموعات مختلفة عبر مئات السنين. بين هذه المجموعات، يظهر المهمشون والمولدون كفئتين تعرضتا للتمييز الاجتماعي. ورغم اختلاف أصولهما، فإنهما جزء لا يتجزأ من هوية اليمن.
يعتقد الكثير أن أصول المهمشين، المعروفين باسم "الأخدام"، تعود إلى فترة الغزو الحبشي لليمن في القرن السادس الميلادي (525م-570م). بعد طرد الأحباش، بقي بعض الجنود والعمال في اليمن واستقروا فيها. مع مرور الزمن، تم عزلهم اجتماعياً وأصبحوا في طبقة مهمشة.
لكن هناك نظرية مختلفة طرحها الباحث محمد عبد القادر بافقيه، تقول إن وجود المهمشين في اليمن يعود إلى ما قبل الغزو الحبشي. وفقا لبافقيه، كانوا جزءاً من المجتمعات اليمنية القديمة، وامتهنوا أعمالًا يدوية ضرورية. هذا يعني أن جذورهم مرتبطة بتاريخ اليمن منذ آلاف السنين، وليس فقط بفترة الاحتلال الحبشي.
أما المولدون، فهم نتاج التمازج بين اليمنيين وأشخاص من ثقافات وأصول مختلفة مثل الهندية، الفارسية، التركية، والأفريقية. هذا التنوع ظهر نتيجة موقع اليمن كمحطة للتجارة والهجرات عبر التاريخ. عاش المولدون في المدن الكبيرة مثل عدن وتعز، وشاركوا في أعمال التجارة والحرف اليدوية. رغم نجاحهم النسبي في الاندماج، إلا أنهم ظلوا مرتبطين بأصولهم الأجنبية في أذهان البعض.
على الرغم من اختلاف أصول المهمشين والمولدين، إلا أن التمييز الاجتماعي طاردهم جميعًا. المهمشون عاشوا في أحياء فقيرة وعملوا في مهن شاقة، بينما المولدون كانوا أكثر اندماجاً لكنهم ظلوا مرتبطين بأصولهم الأجنبية في أذهان البعض.
استمرار التمييز ضد المهمشين والمولدين هو انعكاس للمشاكل الأعمق التي تواجه المجتمع اليمني، حيث لا تزال بعض الفئات تُحرم من حقوقها بسبب أصولها أو أوضاعها الاجتماعية ومن هنا، تبرز أهمية العدالة كوسيلة لإعادة بناء الثقة بين مختلف فئات المجتمع. هذه العدالة لا تعني فقط محاسبة الماضي، بل أيضا تقديم ضمانات لعدم تكرار التمييز، ووضع أسس للمساواة والإنصاف.
تضمين المهمشين والمولدين في عمليات العدالة الانتقالية خطوة حيوية لضمان شعور الجميع بأنهم جزء من مستقبل اليمن. فمن خلال الاعتراف بتاريخهم ورفع الظلم عنهم، يمكن للمجتمع اليمني أن يتجاوز هذه الانقسامات، ويبني هوية وطنية أكثر تماسكا وعدلاً.
تغيير هذه الصورة يتطلب النظر إلى جميع اليمنيين كجزء من هوية واحدة، دون تصنيف أو تمييز. المهمشون والمولدون، رغم تاريخ التحديات، ساهموا في بناء اليمن. واليوم، يحتاج المجتمع إلى تعزيز مبدأ المساواة لإعادة الاعتبار لهم كجزء أصيل من النسيج الوطني.
تحقيق العدالة الانتقالية ليس مجرد مطلب قانوني، بل ضرورة اجتماعية لضمان أن جميع اليمنيين، بغض النظر عن أصولهم أو خلفياتهم، يتمتعون بحقوق متساوية وفرص متكافئة.