أبو طلال وحلم الأجيال
(أبين الآن) كتب | همام عبدالرحمن باعباد
العم أبو طلال لمن لا يعرف أحد أبناء مدينة الحامي التابعة إداريا لمديرية الشحر واسمه سالم محفوظ بن دحمان -رحمه الله وغفر له- بائع متجول عاش في مدينة الشحر أو كما يحلو لمحبيها أن يصفوها بأم اليتامى والمساكين تارة وسعاد الزبينة تارة أخرى وهي من قدمت الهامات الجليلة والشخصيات البارزة في عديد المجالات؛ ففي الشعر من لا يعرف حسين المحضار وفي المسرح هناك سالم باحمبص (برمه) وسالم عبدالرب البكري، ومن لا يعرف الأديب والمؤرخ والكاتب/ عبدالرحمن بن عبدالكريم الملاحي الباحث الموسوعي الغني عن التعريف، وغير هؤلاء ممن تصعب الإحاطة بهم وبأعمالهم، وهي قدمت كذلك - ولا زالت ولادة بالمبدعين - شخصيات قد تبدو بسيطة لكنها غير ذلك في معترك الحياة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر العم بو قمر صاحب المطعم الذي يحكي الطلاب الذين درسوا في ثانوية الفقيد بامطرف عن قصصهم معه، وغير بعيد عن ذلك يبرز العم أبو طلال البائع المتجول الذي تجده رغم كبر سنه يبيع الحنظل و (المبردات) في مدرجات ملعب الفقيد الشاحث أو سوق الشحر العام متغلبا على عوائق كبر السن وزيادة الوزن وباديا كشاب في عنفوان شبابه لا يأبه لما وصل إليه من حال يشفق عليه منها الجميع، وجدته ذات صباح يقود عربته الخشبية ينادي على الزبائن بأسلوب محبب يجذب الأنظار فعجبت ودهشت وحزنت ولكن ذلك كله راح عندما تذكرت أني في أم اليتامى والمساكين لكن حز في نفسي أن أرى مثل هذا الشيخ يكابد ويلات غلاء المعيشة وصعوبات الحياة في وطني الذي توقفت فيه إعانة الرعاية الاجتماعية وهي من لا تفي باليسير من متطلبات حياة المستفيدين منها، كانت هذه وقفة تبعتها وقفات أخرى مع أبو طلال.
كنت حاضرا لمباراة فريق نادي قصيعر لكرة القدم وإذا بي أسمع أبو طلال يعرض بضاعته بطريقة جذابة ومحببة للجمهور ، ومما أثار الانتباه تقليده لنبرة الصوت المميزة للمعلق التونسي/ رؤوف بن خليف مع العرضيات الخطيرة: (يووووووززع)، ومضت المباراة وبعد مغرب ذلك اليوم في إحدى المقاهي الموجودة بالقرب من مسجد المدرسة (أحد معالم مدينة الشحر) كنت وزميلين نحتسي الشاي إذا بأبي طلال يسلم علينا فدُعِيَ لمشاركتنا المقعد، وبعد أن تحدث عن مستوى نادينا في المباراة، سأله أحد رفاقي عن توقعاته للمنتخب الذي سيحصل على كأس الخليج القادمة (خليجي 20 بعدن آنذاك) فرشح أبو طلال المنتخب الكويتي فما كان من زميلي إلا محاولة تغيير ترشيحه لكنه أبى إلا ترشيح الأزرق فما كان مني إلا أن أقف في صفه وأرشح الأزرق الذي تربطه علاقة توأمه مع بطولات كأس الخليج مع مختلف أجيال الكرة الكويتية.
وانطوت الأيام بعد هذا اللقاء وأتت صافرة المباراة النهائية لتعلن عن تتويج الأزرق الكويتي بكأس الخليج في دورتها العشرين بعدن التي أطلق عليها دورة الشهيد/ فهد الأحمد الصباح ليأخذها أبناء الكويت بالمنتخب الذي تولى رعايته أحمد وطلال الفهد بعد رحيل والدهما، وهكذا كانت توقعات أبو طلال تصب في خانة أمنيات أبناء الكويت التي طالما حلمت أجيالها بتحقيق كأس الخليج وتحققت أحلامها هذه المرة مع نواف الخالدي ووليد علي وفهد العنزي ومساعد ندى وبدر المطوع وغيرهم بعدما حققها من قبل جواد خلف ومحمد المسعود و أحمد الطرابلسي وحمد بو حمد وجاسم يعقوب وعبدالعزيز العنبري وفيصل الدخيل وآخرون لا يسمح الحيز بذكرهم.
عندها تذكرت أبو طلال الذي لاشك سيكون فرحا بتتويج الأزرق بكأس الخليج في ليلة اجتمع فيها أبناء اليمن من الشرق والغرب والشمال والجنوب لتشجيع المنتخب الكويتي واحتفلوا بتسجيل هدف المباراة الوحيد وبعضهم خرج في مسيرات فرحا وكأن منتخب بلادهم حقق الكأس وهو الذي لم يحقق فوزه الأول لحد الآن.
وهاهي تدور عجلة الأيام وإذا بنا نعيش في هذه الأيام أجواء بطولة كأس الخليج في دورتها السادسة والعشرين بدولة الكويت التي يتسيد المنتخب الكويتي على عرشها بعشر بطولات وبأرقام قياسية فردية تبرز فيها أسماء الجيل الذهبي للكرة الكويتية، وتضعه جماهيره العاشقة ضمن المرشحين للفوز بالبطولة رغم أفضلية بعض منتخبات أخرى لكن في الميدان الواقع يختلف وتنتهي الحسابات على الورق.
ويبقى الحلم يحدو مشجعي الأزرق بالتتويج الحادي عشر في استمرار لمسيرة الأزرق المميزة في هذه البطولة، ولذلك يبقى السؤال مطروحا كلما بدأت البطولة: متى يتحقق الحلم؟