مأساة إحراق منزل في مدينة تعز.. تكشف عن وجوه الجشع والفساد وانهيار القيم.

مأساة إحراق منزل في مدينة تعز.. تكشف عن وجوه الجشع والفساد وانهيار القيم.

(أبين الآن) تقرير: موسى المليكي

 شهدت مدينة تعز صباح يومنا الأحد 5 يناير 2025م جريمة هزت ضمير الشارع المحلي، حيث أقدم مالك منزل على إشعال النار في شقة الجندي الجريح "مفيد الحسامي" أثناء وجوده مع زوجته وأطفاله الأربعة بداخل شقته، بسبب خلاف على دفع الإيجار بالريال السعودي حسب طلب المالك المؤجر. 

إن هذا الحادث ليس مجرد جريمة فردية، بل يُظهر بجلاء المأساة المركَّبة التي تعيشها تعز خاصة واليمن عموما، حيث يتشابك الجشع والفساد وانعدام العدالة لتفريخ مآسٍ وجرائم كهذه التي حصلت اليوم. 


جشع المؤجِّرين وغياب الضمير.

لا يمكن النظر إلى هذه الجريمة بمعزل عن الجشع المتنامي لدى بعض مالكي المنازل المؤجرين، الذين باتوا يستغلون الظروف الاقتصادية الخانقة لتحقيق مكاسب شخصية، فمع ارتفاع الأسعار وغياب الرواتب، بات الكثير من المؤجرين يفرضون على المستأجرين التعامل بعملات أجنبية كالريال السعودي أو الدولار ، في تجاهل تام للواقع المعيشي القاسي الذي يرزح تحته المواطن البسيط، وخاصة الجنود والمعلمين الذين قدموا دماءهم وجهودهم رخيصة من أجل حماية هذه المدينة، وجاء الآن من يتنكر لهم ويطالبهم بدفع ما لا طاقة لهم به، وهذه الحادثة المؤلمة تسلط الضوء على فقدان القيم الإنسانية لدى البعض، حيث أصبح المال أهم من أرواح الناس وكرامتهم.

غياب دور السلطة المحلية والدولة وتفشي الفساد القضائي.

إن حادثة اليوم وغيرها من الجرائم المخفية المشابهة تأتي في سياق غياب شبه كامل السلطة المحلية والدولة في حماية المواطنين من استغلال مالكي المنازل، فبدلا من فرض قوانين صارمة تحدد التعاملات النقدية وتحمي المستأجرين من التعسف، يعاني المواطن من غياب التشريعات الفاعلة في ظل وجود نظام قضائي غارق في الفساد، حيث أن كثيرا من القضاة الفاسدين أصبحوا أداة في أيدي المؤجِّرين الأثرياء، يتلقون منهم الرشاوى لإصدار أحكام جائرة بحق المستأجرين الذين لا حول لهم ولا قوة، وهذا التواطؤ الفاضح يجعل من المستأجرين فريسة سهلة أمام جشع أصحاب المنازل.

التباين الاقتصادي بين العملتين وتأثيره الكارثي.

بعد فتح منفذ القصر الجمهوري أدى إلى دخول العديد من أصحاب المنازل من منطقة الحوبان، حيث يسود التعامل بالريال اليمني في مناطق الحوثيين بقيمة أربعة أضعاف مقارنة بمناطق الشرعية، وهذا التباين الفج في قيمة العملة؛ دفع العديد من المؤجرين إلى المطالبة بإيجارات مرتفعة أو بعملات أجنبية، ما زاد من الضغوط الاقتصادية على المواطنين داخل مدينة تعز.

نتائج الفشل الحكومي والاقتصادي.

إن ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، وغياب الرواتب المنتظمة، وفشل الحكومة في إدارة الفجوة الاقتصادية بين مناطق الحوثيين ومناطق الشرعية، أدى إلى تدمير الطبقة المتوسطة تماما، ودفع المواطنين نحو الفقر المدقع، ومثل هذه الجرائم ليست سوى نتيجة حتمية لهذا الانهيار والفشل الحكومي المستمر.

صرخة للعدالة والإنسانية.

حادثة إحراق منزل عائلة الجندي الحسامي يجب أن تكون جرس إنذار للمجتمع والدولة على حد سواء، فلا يمكن السكوت على هذه المأساة التي تمثل جزءا صغيرا من معاناة طيف واسع من المواطنين، فيجب على السلطات المحلية والحكومة الشرعية اتخاذ خطوات فورية لمعالجة هذه الأزمات المتشابكة، بدءا بمنع التعامل بغير العملة المحلية، وضبط أسعار الإيجارات، وتعزيز دور الأجهزة القضائية لمحاسبة المؤجرين الجشعين ومن يحمونهم من الفاسدين.

أما إذا غابت الحلول الجذرية، ستظل مثل هذه الجرائم تكرس ثقافة العنف والانهيار القيمي، وستبقى تعز وكل اليمن رهينة لصراعات لا ضحية لها سوى المواطن المسكين المغلوب على أمره.