قلمُ صدقٍ ،يشقُّ طريقه في الإبداع

بقلم: عبدالعزيز الحمزة

في عالم الأدب والفكر، هناك أقلامٌ تشبه الشعلة التي لا تنطفئ، تسير وسط العتمة لتضيء العقول، وترسم بالكلمات لوحاتٍ نابضة بالحياة والتاريخ والفكر العميق. من بين هذه الأقلام المتألقة، يبرز اسم أبي زين، ناصر محمد الوليدي، ذلك المفكر والمؤرخ والأديب والناقد، الذي صاغ بأدواته الإبداعية أعمالًا تشهد له بالبصمة الفريدة والأسلوب المتقن.

مسرحية "سم سم".. حين يمتزج التاريخ بالخيال والواقع
هي آخر أعماله التي لفتت انتباهي ،حيث استطاع أن يخلق حبكة درامية غير تقليدية، تأخذ من التاريخ ملامحه، ومن الخيال أجنحته، ومن الواقع نبضه .
 إنها مسرحية ليست مجرد إسقاط على الماضي، بل رؤية عميقة تكشف عن امتدادات الماضي في الحاضر، في محاولة لقراءة المشهد السياسي والاجتماعي بمنظور إبداعي ناقد.
يتمتع أبو زين بأسلوبٍ سردي يأسر القارئ، حيث يتلاعب بالمفاهيم والزمن، ليجعل الشخصيات تتحرك بسلاسة بين التاريخ والحاضر، وكأنها شخصيات تعبر العصور دون قيود. كما أن طريقته في استدعاء الأحداث وربطها بسياقاتٍ جديدة تعكس قدرته الفائقة على تحليل الواقع عبر عدسة الفكر الناقد، وهو ما يجعل أعماله ليست مجرد نصوصٍ أدبية، بل أدواتٍ لفهم أعمق لمجريات الحياة.

إنه مفكرٌ لم يأخذ حقه في التكريم

رغم ما يقدّمه أبو زين ناصر الوليدي من عطاءٍ فكري وأدبي غزير، إلا أن مكانته الحقيقية لا تزال في الظل، ولم ينل حقه في التكريم كما يستحق. وربما يعود ذلك إلى أن المبدعين الحقيقيين غالبًا ما يكونون سابقين لعصرهم، فيشقون طريقهم بصمت، حتى يأتي الزمن الذي ينصفهم ويضعهم في مواضعهم اللائقة.

لكن الحقيقة التي لا تقبل الجدل هي أن قلمه يشق طريقه في عالم الإبداع بسرعة الضوء، ويترك أثرًا لا يُمحى في كل من يقرأ له. فهو ليس مجرد مؤرخٍ ينقل الأحداث، ولا مجرد كاتبٍ يروي الحكايات، بل هو مفكرٌ يعيد تشكيل الوعي، وينقّب في زوايا التاريخ ليكشف لنا وجوهًا غير مرئية من الحقائق.
في أعماله، لا تجد مجرد حكايات مسلية، بل تجد فكرًا نقديًا عميقًا، يعيد قراءة الماضي لفهم الحاضر واستشراف المستقبل. بأسلوبه اللاذع والساخر أحيانًا، والمشحون بالرمزية أحيانًا أخرى، يمارس دوره ككاتبٍ مسؤول يحمل همّ التنوير والتغيير.
إننا أمام شخصية أدبية استثنائية، وأمام قلمٍ نادر في زمنٍ أصبحت فيه الاقلام مجرد أدوات للاسترزاق ، لكنها عند أمثال أبي زين الوليدي تظل رسالةً سامية. 
هو من أولئك الذين يكتبون لأنهم يحملون رؤى وأفكارًا، لا لأنهم يسعون وراء الشهرة أو الأضواء أو الارتزاق. ولهذا، فإن كتاباته تعيش وتُقرأ وتتفاعل مع العقول، بينما يطوي النسيان كتاباتٍ أخرى ولدت ميتة.

لا يسعنا إلا أن نقف احترامًا لهذا المفكر والأديب، ونأمل أن يأخذ مكانته التي تليق به في المشهد الثقافي. فالكتابة ليست مجرد كلمات، بل هي موقف ورسالة، وأبو زين ناصر محمد الوليدي خير من جسّد هذه الرسالة بصدق وإبداع.
—--------------------
عبدالعزيز الحمزة