ما أجمل الصباح 17

أما في هذا الصباح فقد كانت رحلتي غير سابقاتها ؛ إذ كانت الشمس مختفية ، وكأنها لم تعد تريد رؤيتنا ، ولاتحب أن نراها ، والطقس ساخن ، بخيل بالهواء ، والجو ملبد بالغيوم التي حجبت عنا رؤية السفن ، وجبال الحاضرة يصعب على البصر رؤيتها ، أما البحر فقد بدا هائج الأمواج ، داكن اللون ، وكأنه قد ضاق بما فيه ، وما حوله من النفايات .

ومع ذلك كله إلا أن الصباح كان جميلاً ، وأنا أمشي على الشاطئ ، رأيت  مجموعات من الطيور ؛ كل مجموعة لا تقل عن خمسين طائرا تقريبا ، تعددت ألوانها ، منها البيضاء ناصعة البياض ، وأخرى بيضاء العنق رمادية الأجناح ، وثالثة سوداء ، كانت كل مجموعة تتجمع لوحدها وتنظر إلى الأخرى بشيء من الريبة والازدراء ، يذهب بعض هذه المجاميع للاصطياد من البحر ، ثم العودة إلى الشاطئ ، أما مجموعة الطيور السوداء فقد كانت لا تقوم بأي نشاط لاستحضار أقواتها ، بل تتربص على الشاطئ ، ثم تهجم على ماتصطاده الطيور الأخرى وتأخذه  منها دون عناء أو بذل أي مجهود ، فضلا عن محاولتها تشتيت تلك المجموعات من الطيور ، وتمزيق وحدتها ، والإغارة على بعضها ، إلى جانب التهام أقواتها .

ما جعلني أنظر إلى ذلك الأمر بشيء من الغرابة والاستهجان ، وأقول : إن هذه المجموعات من الطيور تحكي حال الأمة ،  وكيف يتربص بها عدوها ، ويمزق وحدتها ، ويسرق أرزاقها ، ثم يرسم لها بخبث حاضرها المظلم ومستقبلها المجهول .