رمضان.. نداء العدالة وسط زحام الفوضى
مع اقتراب شهر رمضان المبارك، تتجدد الآمال في نفوس الناس بتجديد الروح والعطاء، لكن في اليمن، يبقى رمضان كما اعتاد أن يكون موسمًا للاختبارات القاسية، ففي كل عام، تتفاقم الأزمة؛ إذ يشهد المواطن ارتفاعًا جنونيًا في الأسعار وترديًّا في الخدمات، مع انقطاع الكهرباء لساعات طويلة وسط أجواءٍ تكتنفها الفوضى والفساد المستشري في أروقة الحكم والدولة.
وفي ظل حكومة تكاد تقتصر أفعالها على التصريحات والتحركات السياسية التي تُحركها أنفاس الرياح، وتتقاسم السلطة بنظام انتقالي وفق بنود اتفاق الرياض، تبقى حلول المشاكل الاقتصادية والسياسية طيّ النسيان، إذ يعاني المواطن من معاناة مضاعفة بين تقلبات الأسعار وتدهور الخدمات الأساسية، فيما تستمر أطراف النزاع في تدوير السياسات التي لا تمس سوى مصالحها الخاصة.
وفي الوقت الذي تتداخل فيه التدخلات الإنسانية من قبل التحالف العربي المتمثل في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، يظل المواطن وحيدًا أمام معاناة واقعية لا تلبيها تلك المساعي، إذ إن العون يقتصر على ما هو رمزي وغير كافٍ لإشباع تطلعات الشعب المحتاج، فالوعود السياسية تبقى على هامش الحياة اليومية، ولا تجد طريقها لتقديم الحلول الجذرية لإنهاء الحرب أو إعادة ترسيم حدود السلطة على بقايا الوطن من قبضات المليشيات الحوثية.
ومن جهة أخرى، تبرز محاولات استعادة دولة الجنوب وإحياء ما كان عليه الحال قبل الوحدة كحلم يتلاشى في خضم صراعات أجندات إقليمية ومصالح دولية لا تعير المواطن ذرة اهتمام. وهكذا، يصبح الشعب – شمالًا وجنوبًا – مجرد وكلاء حرب تُدار مصائدها على حساب معاناته، فيما تستمر حكومات متعالية في استعراض أساليبها القديمة وكأن نظام الحكم الذي دام ثلاثة وثلاثين عامًا سيظل هو المألوف دون تجديد أو إصلاح.
في هذا المشهد المظلم، تبرز دعوة صريحة للمسؤولين؛ إما أن يتحلوا بالجدية ويتخذوا قرارات حاسمة تصب في مصلحة الشعب، أو يفسحوا المجال لتغيير حقيقي يحفظ ماء وجه التاريخ، فالمواطن اليمني لم يعد يتحمل المزيد من عبء الارتعاش بين سندان الغلاء ومطرقة تدني الخدمات، وتحذيرات بأن ثورة الجياع لن ترحم من أصر على الاستمرار في استعراض أساليب الماضي وتجويع المواطن.
إنه وقت التوبة واليقظة؛ وقت أن يفتح المسؤولون أعينهم على معاناة شعبٍ طالما انتظر العدالة والكرامة، فإما اتخاذ قرار جريء يضع حداً للأزمة، أو الاستقالة لتفادي أن تُسجل صفحات التاريخ المزيد من المآسي التي تذل شعباً عانى بما فيه الكفاية.