القيادات الغائبة.. ومعاناة الشعب الحاضرة!

مع التغيير الذي طال رئاسة الحكومة اليمنية «الشرعية» مؤخراً، برزت بوادر أمل لدى البعض لإنتشال الأوضاع المنهارة في البلاد ، فقد بادر رئيس مجلس الوزراء الجديد، سالم صالح بن بريك، في القيام بتحركات ولقاءات ، ومنها عقد لقاء مع أعضاء ما يُسمّى بـ"المجلس الأعلى للتكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية"، وهو مجلس يتألف في معظمه من قيادات حزبية مقيمة في الخارج.

في هذا اللقاء، بعث رئيس الوزراء برسائل سياسية واقتصادية شديدة الأهمية، ناقش فيها صراحة حجم التحديات وتعقيد المشهد، محاولاً أن يُقرب الصورة للواقع كما هو، دون تجميل أو تزييف. وهي خطوة تُحسب له، وتعكس إدراكه لجسامة المسؤولية.

لكن، وبالرغم من أهمية الخطاب، فإن الأزمة التي تعيشها البلاد لن تجد طريقها إلى الحل ما دامت معظم قيادات السلطة  – المؤثرة والمقرّبة – تعيش في الخارج، منفصلة عن معاناة المواطن ، و بعيدة عن ضجيج الأزمات وشبح المجاعة الذي يخيّم على الداخل.

إن بقاء كبار المسؤولين في الدولة والحكومة و طابور طويل من القيادات - والموظفين المقربين منهم - خارج البلاد، وفي ظل أزمة موجعة يكابد فيها الشعب الجوع والغلاء وانعدام أبسط الخدمات، لا يعد فقط انفصالاً جسدياً عن الوطن، بل هو أيضاً انفصالٌ أخلاقي ومعنوي عن المسؤولية ..  فالمسؤول الذي لا يسمع صراخ المرضى في المستشفيات المتهالكة، ولا يرى طوابير الخبز ، ولا يشعر بعجز المعلمين والموظفين عن إعالة أسرهم، لن يكون جزءاً من الحل، بل جزءاً من الأزمة.. وجود - هولاء - في الخارج – تحت ذرائع واهية ومنها «الأمن» – يُفقدهم شرعية القرب، ويحرم الشعب من أبسط حقوقه، بأن يكون له قادة يعيشون نفس الواقع ويتشاركون نفس الألم.

لقد تحوّل وجود القيادات المقيمة خارج حدود الوطن إلى عبء أكثر منه ميزة. ليس لأن الخارج في ذاته مشكلة، ولكن لأن الغياب الدائم يولّد غربة عن الشعب وهمومه، ويضعف الإحساس بالمسؤولية الأخلاقية والوطنية. بل الأسوأ، أن بعضهم يكتفي بالتصريحات والاجتماعات الشكلية، دون أن يكون لذلك أثر ملموس في معالجة المشكلات المتفاقمة في الداخل و التخفيف من وطأة المعاناة والأوجاع.. فمعركة اليمن الأولى - اليوم - اقتصادية بامتياز.. إنها معركة الجوع، والانهيار، والبطالة، وانعدام الخدمات. وإن لم تكن هناك قيادات تمتلك ضميراً حيّاً، وتعيش معاناة الناس عن قرب، فلن تُجدي الخطط ولا البرامج ولا حتى الدعم الإقليمي والدولي.

المطلوب اليوم من هذه القيادات أن تعود إلى الداخل، أن تواجه الواقع كما هو، لا كما يُكتب في التقارير. المطلوب منهم أن يتخلوا عن امتيازاتهم العابرة في فنادق و «عزب» الخارج، ويقفوا في صف الشعب لا في مقاعد المراقبين.. عندها فقط يمكن أن نأمل بتغيير حقيقي. غير ذلك، فإن الحديث عن الإنقاذ، و «التعافي» وهمٌ يُسوق، وواقعٌ يُهمل.