شهادة لله ثم للتاريخ معاناة متواصلة في سبيل استمرار الكهرباء في عدن والمحافظات المجاورة

بقلم: الدكتور فوزي النخعي

في ظل ظروف استثنائية تمر بها بلادنا، وبينما يعيش المواطن أزمات متلاحقة في مختلف جوانب الحياة، كانت معركة الكهرباء واحدة من أقسى الجبهات التي خاضها بصمت، أخي الأستاذ المهندس سالم الوليدي، مدير عام كهرباء عدن، وقد كنت برفقته في بعض فصول هذه المعاناة على مدار  تسعة أشهر ماضية وحتى الآن، وذلك في سبيل تأمين استمرار تشغيل محطات الكهرباء، وتوفير الحد الأدنى من الخدمة التي يعتمد عليها ملايين المواطنين في أربع محافظات جنوبية هي: عدن، أبين، لحج، والضالع.

لم تكن جهود تأمين الوقود مجرد تواصل إداري أو مخاطبات رسمية، بل كانت رحلات ميدانية مرهقة، ومفاوضات شاقة مع كل الجهات الممكنة، من بين أبرز المحطات التي لا تُنسى، كانت رحلتنا إلى باتيس، حيث سعينا للحصول على سلفة مليون لتر من مادة المازوت من مصنع إسمنت باتيس، والذي مع الأسف الشديد لم يتجاوب المصنع بشكل مسؤول، ويستجيب لندائنا الإنساني له، وإنقاذ وضع كهرباء عدن من الانهيار الكامل في لحظة حرجة، وكان معنا في هذه المعاناة كل من محافظ محافظة أبين الذي وجه الأمين العام مهدي الحامد، ورافقنا إلى المصنع المحامي مازن بالليل اليوسفي، مدير عام مديرية خنفر والتقينا بالإدارة الأمنية للمصنع، ولكننا لم نُوفق في ذلك.

غير أن التحديات لم تقف عند نقص الوقود فقط، بل تعمّقت أكثر مع تعطيل وصول الوقود الخام إلى محطة الرئيس، نتيجة قطع الطرق من قِبل بعض المواطنين وجنود الأمن، للمطالبة بمستحقاتهم أو احتجاجاً على أوضاعهم، ونحن نتفهم تلك المطالب.

وفي خضم هذه الأزمة كان لابد من تواصل مباشر ومستمر مع القيادات الأمنية في كل من عدن وأبين ومع قيادات الأحزمة الأمنية، والتي تجاوت مشكورة معنا وبشكل ايجايي نقدم لهم الشكر والتقدير على هذه المواقف الإنسانية، وذلك لتسهيل مرور القواطر المحجوزة في تلك القطاعات، وقد تم بذل جهود مضنية - بالتنسيق المستمر - لضمان وصول هذه القواطر إلى محطات التوليد في الوقت المناسب، وتفادي خروج المنظومة الكهربائية عن الخدمة، إلا أن عرقلة وصول الوقود في مثل هذه اللحظات الحساسة كانت تهدد بانهيار الخدمة عن كامل المحافظات الأربع.

ومن التحديات الكبيرة الأخرى التي واجهناها، كان توقف تدفق الوقود الخام القادم من حضرموت، بسبب موقف حلف قبائل حضرموت الرافض لخروج الخام من المحافظة، هذا الموقف، وان كنا نفهم أسبابه، فقد شكل هذا القرار عائقاً جوهرياً أمام استمرار تغذية محطات عدن بالوقود، وفتح صفحة أخرى من التحديات في معركتنا اليومية ضد الانطفاء، وقد تم على إثر هذا الموقف توجيه مذكرة إلى النائب العام للجمهورية، والتوجيه في التحقيق في ذلك في حينه، كما لم تكتف بذلك، بل توجه بعض المشايخ والأعيان إلى حضرموت والالتقاء بالشيخ المقدم عمرو بن حبريش رئيس حلف قبائل حضرموت، وذلك لأجل يتم السماح بدخول قواطر النفط الخام إلى كهرباء عدن، ولكن تلك المحاولات بائت بالفشل، وكان على رأس هؤلاء المشايخ الشيخ عميد الأسرى الجنوبيين أحمد عمر  المرقشي، أنني هنا اسجل للتاريخ ولله، وليس لأجل الاستهلاك الاعلامي، ولأجل أن احقق مكسب مادي، أو أن أظهر سالم الوليدي مظهر الحسن، ولكنها الحقيقة كما عشتها بكل تفاصيلها..

وفي هذا السياق، من المهم أن نؤكد بوضوح أن توفير الوقود لمحطات كهرباء عدن ليست من مهام مدير عام كهرباء عدن، ولا من اختصاصه، بل هو مسؤولية المجلس الرئاسى والحكومة على حد سواء، وذلك باعتبار أن كهرباء عدن لا تخدم عدن وحدها، وهذا مما يجهله الكثير من الناس وهو أن كهرباء عدن لا تخدم عدن فقط، بل تعتمد عليها أربع محافظات جنوبية بأكملها، وهي: عدن، وأبين، والضالع، ولحج، ومن غير المقبول أن يُترك هذا العبء الثقيل على كاهل قيادة المؤسسة المحلية في عدن، في ظل غياب الدعم المركزي، وكما هو معلوم فإن الكهرباء هي عصب أساسي في استقرار الوضع الاقتصادي والإنساني في هذه المحافظات، ومع ذلك، لا تزال عملية توفير الوقود تُواجه بتجاهل رسمي، وتأخير في الإمدادات، وغياب الجدية في الدعم الحكومي لهذا القطاع الحساس.

رأيت عن قرب حجم المعاناة، وتحملت مع المهندس سالم الوليدي ضغوطاً لا تُحتمل، لكنه ظل صامدًا، مكافحًا، يعمل بلا كلل، ولا وملل، وقد كان يستجيب لكل نداء أو إتصال، ولو كان في آخر الليل، وكان آخرها ليلة البارحة عندما كنت برفقته في استقبال قواطر الخام القادمة من حضرموت عند مدخل عدن كي نوصلها في الوقت المحدد حتى لا تنطفي محطة كهرباء الرئيس بسبب نفاذ الوقود، أنه بكل هذه الأعمال لا يبحث عن شكرٍ، أو مدحٍ، أو ظهورٍ إعلامي، بل كانت غايته الوحيدة أن لا تنطفئ عدن، وأسأل الله أن يجزيه خير الجزاء ويعطيه على قدر نيته الطيبة المحبة لغدن واهلها الطيبين، وما جاورها من المحافظات الأخرى المستفيدة من الكهرباء..

إني أكتب هذه السطور واعلم أن البعض سوف يقول أن هذا تزلف وتقرب، وتلميع لشخص المهندس سالم الوليدي، لا والله انها ليست كذلك، وأقول لهم أن سالم الوليدي اسمه وسمعته طيبة الذكر وصلت قبله، ولا يحتاج إلى مدحي هذا.

وهذه الكلمات ليست تبريرًا، ولا دفاعًا، وإنما هي شهادة لله ثم للتاريخ، أسجلها لأبين حجم الألم الذي عشت فصوله مع المهندس سالم الوليدي لحظة بلحظة في جزء بسيط فقط من تفاصيل هذه المعاناة التي يعيشها هو بشكل يومي وعلى مدار الساعه، وكل هذه الجهود التي بُذلت  فهي فقط من أجل أن تستمر الخدمة في أحلك الظروف، وأصعبها..

وفي الختام، فإنني أناشد المجلس الرئاسى والحكومة والجهات المختصة بتحمل مسؤوليتهم الوطنية تجاه قطاع الكهرباء، ووضع حد لمعاناة المواطنين، ودعم هذا القطاع الحيوي دعمًا ثابتًا ومنتظمًا، فالوضع لم يعد يحتمل مزيدًا من التراخي، والناس لم تعد تتحمل مزيدًا من الظلام.

والله من وراء القصد.