غزّة... وسيفُ الله فينا

مقدمة:
في غزّة...لا يبيتُ القمرُ إلّا في الملاجئ،ولا تطلعُ الشمسُ إلّا من بينِ ركامِ البيوتِ المُهجَّرة.

في غزّة...
لا يُؤذَّنُ الفجرُ من مئذنةٍ واحدة، بل من ألفِ قبر، وألفِ جُرح، وألفِ حكايةٍ مقطوعةِ الصوت.

غزّة...
هي القصيدةُ التي تكتبُ نفسها كلَّ صباح،
على جدرانِ الخوف،
وعلى أهدابِ طفلٍ لم يعرفْ يومًا وجهَ العيد.

هناك، حيثُ الخذلانُ يتّخذُ له عرشًا في عيونِ العرب،تنتصبُ غزّة...
كأنها أبجديةُ الصمود،
كأنها آيةٌ نزلتْ على الأرض، لا لِتُتلى بل لِتُقاتِل.

هناك، حيثُ تنتهي البياناتُ وتبدأُ الدماء،
حيثُ يُقاسُ الشرفُ — ليس بعددِ المؤتمراتِ —
بل بعددِ الشظايا المغروسةِ في أجسادِ الأطفال.

وهناك، في الركنِ الجريحِ من هذه الأمّة، تُصلَبُ غزّةُ وحدَها...
ثم تقوم،تجفِّفُ دمَها بكُمِّ قميصِها، وتُكمِلُ الزحفَ نحوَ الخلود.

فيا من تسمعون...
هذه القصيدةُ ليست مدحًا ولا رثاء، ليست عزفًا على وترٍ قديم،
بل سيفٌ من الكلمات، مشحوذٌ بنارِ العتاب،
ومصلولٌ في وجهِ العربِ النائمين.

قصيدةٌ...
تُولَدُ من الرماد،وتصرخُ فينا جميعًا:
"أما آنَ لكم أن تخجلوا؟!"

 قصيدة: "غزّةُ… وسيفُ الله فينا"
(شعر تفعيلة – بحر الكامل)

غزّةْ…
وإنْ ضاقتْ عليكِ مجامرُ القَدرِ الثقيلْ،
وإنِ اشتكى الجرحُ المعبّأُ فيكِ… من عُمرٍ طويلْ،
تبقينَ رغمَ الصمتِ… أنتِ المنذرُ الناريُّ،
أنتِ صفارةُ الخطرِ النبيلْ.

تبقينَ رغمَ اليُتمِ…
رمحًا لا يميلْ،
وسراجَ من خُلقوا… ليحملَنا الدليلْ.

غزّةْ…
كأنكِ كلُّ جرحٍ… في الضميرْ،
كأنكِ الآياتُ تُتلى في شخيرِ النائمينْ،
كأنّ فيكِ الروحُ لا ترضى الهوانْ، ولا تميلْ.

يا من تُقاسينَ الجراحَ… ولا تُقالْ، وتحملينَ الليلَ في صمتِ الجبالْ،
يا من تغوصينَ الحصارَ… ولا تُذَلِّينَ السؤالْ،
ما أوسعَ الصبرَ الذي فيكِ ارتحالْ!
ما أصدقَ الأملَ الذي لا يستقيلْ!

غزّةْ…
هل خانكِ العربُ النيامْ؟
هل باعكِ القوميُّ في سوقِ السلامْ؟
هل ذابَ خنجرُهم بأضلاعِ الشآمْ؟
هل صارَ عدوُّكِ فيكِ…
مِنكَ…
باسمِ الزهدِ... والإسلامْ؟!

غزّةْ…
يا أنشودةَ الدمعِ الجميلْ،
يا من ترفرفُ كالندى… فوقَ الرحيلْ،
يا مَن على جوعِ السنينِ وقفتِ…
كالشمسِ التي لا تستقيلْ!

خبّأتُ فيكِ قصيدتي،
وشكَيتُ فيكِ ترنُّحي،
وغسلتُ بالحزنِ النبيلِ خيانتي…
وغفرتُ إنْ صحَّ الدليلْ.

لكِ أن تكوني الأرضَ… إن سقطتْ سماءْ،
ولكِ الدعاءُ… إذا تشيّعتِ المساءْ،
ولكِ الجدارُ… إذا تكالبتِ الدماءْ،
ولكِ البقاءُ… لأنكِ
الرمقُ الأخيرْ
من الكبرياءْ.