حضرموت.. أكبر ممن يتصورون أنفسهم كبارًا

على مدى أسبوع وأنا أُغالِب نفسي، أو في حالة صراع بين عقلي وعواطفي، أتساءل: هل أكتب عن محاولات "أشقاء" شق الصف الحضرمي؟ وعن آخرين يبذلون جهودًا بأساليب ملتوية تحت عناوين براقة لإعاقة حركة حضرموت؟ وآخرين فقدوا بريقهم منذ زمن، يعودون إلينا بمشاريع ودعوات لما يسمونه "التوافق الحضرمي"، رغم اتساع القاعدة الاجتماعية المؤازِرة لـ حلف قبائل حضرموت في قيادة الحركة المجتمعية الحضرمية، لتحقيق مطلبها في "الحكم الذاتي لحضرموت" كخطوة جادة على طريق الحل المنصوص عليه في مخرجات الحوار الوطني، الذي تراجع في الخطاب الرسمي للشرعية وحكومة الوفاق أو التقاسم الحزبي.
قضايا كثيرة تستحق التوقف عندها، في ظل عجز وتهرّب منظومة الشرعية من مواجهة حقيقة وأصالة مطالب الحضارم وشرعيتها في استعادة حضرموت وبناء مؤسسات حكمها، خاصة في هذه المرحلة الصعبة بمساراتها الخطرة على القضية اليمنية برمتها.

منذ أن دعا الأخ الشيخ عمرو بن علي بن حبريش، زعيم حلف قبائل حضرموت، إلى أول اجتماع في هضبة حضرموت، بالتزامن مع وجود الدكتور رشاد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، في المكلا، توقع البعض ـ وأنا منهم ـ أن يتوجه فخامته إلى الهضبة للقاء قيادات المجتمع الحضرمي بمختلف شرائحها.
لكن فخامته ومرافقيه، ومنهم أعضاء في المجلس، غادروا المكلا في تقدير خاطئ، فسُرِّبت رسالة بعدم الاكتراث. ولم يشفع لفخامته لاحقًا تشكيل وفد من قِبَله، ضم بعض أعضاء مجلس النواب من الحضارم وغيرهم، حيث رُفض الوفد وأُبلِغ أن المجتمعين يحملون مطالب أبناء حضرموت، ولن يقبلوا بوسطاء أو سعاة، فالقضية جادة وحضرموت تريد استعادة مؤسسات الدولة وإدارتها بكفاءات حضرمية.
لم يكن هناك أي تجاوب، وكأن الحضارم مجرد كتلة بشرية ريفية لا تعرف حدود قدراتها وإمكاناتها الجغرافية، التي تمثل ثلثي اليمن مساحةً وموارد طبيعية وبشرية. هذه المواقف دفعت الحضارم إلى اختبار قدراتهم، فإذا بهم يمتلكون طاقة هائلة، قادرة على المساهمة في بناء دولة اتحادية مجتمعية، إذا ما تفهّم الأشقاء ضرورة وأهمية الحكم_الذاتي_لحضرموت كركيزة محورية لبناء دولة المواطنة والأقاليم، القادرة على ترسيخ العدل والمساواة والتنافس في الإنتاج والبناء، بعيدًا عن عقلية الوظيفة العامة ونهب المال العام.

ظل مبدأ الحوار قائمًا برهان عقلاني، في مواجهة رغبوية جهوية أو ريفية تخشى دور وقدرات الحضارم في ترسيخ دولة المؤسسات. وفي خضم ذلك، هرع عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي وعضو مجلس القيادة، إلى المكلا، وألقى خطابًا متوترًا تحت علم جمهورية اليمن الديمقراطية، مهددًا أبناء حضرموت عامة، وحلف قبائل حضرموت خاصة، بإعادتهم إلى "بيت الطاعة" باعتبارهم خارجين على القانون، متجاهلًا أن علم الجنوب يرفرف فوقه وفوق محافظ حضرموت ممثل الشرعية، الذي صفق لهذه الصلافة والخروج على القانون الذي يطالب به الحضارم.

غادر الزبيدي المكلا وقد خسر ـ من حيث لا يدري ـ بعضًا من أصحاب الرأي والتأثير في حضرموت. ولتلافي ذلك، أرسل معازبيه بالأخ اللواء أحمد بن بريك، لعلّه يحدث صدعًا في "كار سيبان" أو فتنة في مدنها، لكنه لم يفلح إلا في إضافة صلابة إلى الجبال الحضرمية، وتعزيز الحركة المجتمعية في المدن متناغمةً مع أريافها وقواها الاجتماعية. غادر وفي قلبه غصة، وربما ندم على أداء دور لا يليق به، وهو أحد مؤسسي المؤتمر الجامع الحضرمي.

ومع بقايا الأمل في الأخ اللواء فرج سالمين البحسني، جاء هو الآخر مرة أو مرتين، مكلفًا من معازبيه إن لم يكن من مجلس القيادة، ثم عاد، وبقي لدينا تقدير لما تبقى من موقفه، وأمل ـ ولو باهت ـ في عودته إلى القافلة الحضرمية.

أخيرًا، وفي ظل حراك المدن والطبقات المنتجة والمثقفة، جاء القائد "أبو علي" ـ الأخ صالح بن الشيخ أبوبكر ـ الذي عاش في ضاحية بيروت، ومنها كُلّف بالذهاب إلى لندن لتشكيل ما أُطلق عليه "حتم". جاء هذه المرة تحت اسم "أبو علي"، وليس على طريقة قادة فلسطين كأبو علي إياد، بل لأداء دور أقرب إلى أبو نضال، ولكن بأدوات ومعازيب مختلفين.

إلى كل من ورد ذكرهم في هذا المقال ـ والذي قد يستهجنه جيل لم يعرف أو يسمع بصلاح خلف "أبو إياد" أو صبري البنا "أبو نضال" وغيرهم من "الأبوات" الحقيقيين أو المأجورين في مرحلة الثلث الأخير من القرن الماضي للنضال الفلسطيني ـ أقول: التاريخ قد يعيد نفسه، ومن الحكمة الاستفادة من دروسه، إذا أدركنا أن حضرموت قد تعانقت مع آفاق قدراتها، وبأبنائها هي أكبر ممن يظنون أن معازيبهم يجعلونهم كبارًا.