تعز بين الحكمة والاندفاع
في ظل التعقيدات السياسية والعسكرية التي تمر بها البلاد، تبرز الحاجة الملحة لأن تتحلى قيادة السلطة المحلية في مدينة تعز، ومعها المكونات السياسية ووسائلها الإعلامية، بأعلى درجات الحكمة والتعقل، وأن تبتعد عن التسرع في إعلان العداء لأي مكون من مكونات الشرعية المتصارعة، أو التعصب لمواقف أي دولة من دول التحالف على حساب الأخرى.
إن ما تشهده المحافظات الجنوبية والشرقية من تطورات متسارعة يستوجب تعاملاً مسؤولاً وعقلانياً من قبل قيادة المحافظة والأحزاب والقوى السياسية، فتعز ليست في موقع يسمح لها بالمغامرة أو الانجرار خلف مواقف عاطفية أو غير محسوبة العواقب، لأن أي تهور سياسي أو إعلامي ستكون نتائجه كارثية، وستكون المدينة وسكانها أول من يدفع الثمن.
فمدينة تعز لا تزال ترزح تحت حصار خانق فرضته مليشيات الحوثي منذ بداية الحرب الانقلابية، حصار فُتح جنوباً باتجاه المحافظات الجنوبية، وكُسر جزئياً غرباً عبر الساحل الغربي، لكنه لا يزال قائماً من الاتجاهين الشمالي والشرقي، مسبباً معاناة إنسانية واقتصادية وأمنية مستمرة لأبناء المدينة.
أما ما يجري من تباينات أو اختلافات بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وما نتج عنها من أحداث، فهو شأن يرتبط بتأمين الحدود السعودية واستقرار أمنها القومي، وقد بدأت بالفعل مؤشرات التقارب والتفاهم بين البلدين بالظهور عبر البيانات الصادرة من خارجية البلدين، ومن المؤكد أن علاقتهما ستعود إلى سابق عهدها، وربما أقوى مما كانت.
وعليه، فإن الواجب الوطني يحتم على قيادة السلطة المحلية والمكونات السياسية في تعز أن تتعامل مع هذه الأوضاع بمسؤولية كاملة، وألا تنزلق نحو العداء مع أي من مكونات الشرعية، وبالأخص المجلس الانتقالي الجنوبي والمقاومة الوطنية، اللذين يمثلان السند الخلفي للمدينة وسكانها.
فالمناطق الواقعة تحت سيطرة هذه القوى تشكل المنافذ الرئيسية للإمدادات العسكرية والأمنية والاقتصادية والتنموية، وهي الرابط الوحيد بين تعز والعالم الخارجي، وشريان الحياة والمتنفس الأساسي لأبنائها في ظل الحصار القائم.
وفي السياق ذاته، تقع على عاتق وسائل الإعلام والمنصات الحزبية وغير الحزبية مسؤولية وطنية وأخلاقية، تحتم عليها تغليب مصلحة تعز العامة، والابتعاد عن خطاب التحريض والكراهية، والوقوف صفاً واحداً في مواجهة كل الأصوات والقيادات والأبواق الإعلامية التي تسعى، عبر تشددها وتصريحاتها العدائية وسلوكها العبثي، إلى جر المدينة نحو مربع الصراع والاقتتال الجانبي، وإلى حصار كامل ومطبق لا تحتمله تعز ولا أبناؤها.


