نعيش زمن المفاهيم المغلوطه.
بقلم: موسى المليكي.
في عالمنا اليوم، نشهد ظاهرة غريبة تتجلى في انقلاب المفاهيم واختلاط القيم، حيث بات المظلوم يُلام لأنه اشتكى، والفاسد يُبرر له بينما يُلام من كشف فساده. أصبح الخوف من مواجهة الحقيقة أقوى من مواجهة الظلم نفسه، فبدلًا من مساءلة الجاني، يُطلب من الضحية الصمت، وكأن العدل أصبح عيبًا والمطالبة بالحقوق جريمة.
الصمت في وجه الظلم.. جريمة أخلاقية
عندما يتعرض الإنسان للظلم، من الطبيعي أن يبحث عن الإنصاف، لكن في زمننا هذا، يبدو أن الشكوى أصبحت "عيبًا"، بينما الصمت يُنظر إليه كحكمة! وهذا ما جعل الكثير من المظلومين يقبلون بالواقع خوفًا من نظرة المجتمع، في حين أن الظالم يستمر في ظلمه دون رادع.
الفاسد في مأمن، والمصلح متهم
لم يعد السؤال الأهم: "لماذا تفسد؟" بل أصبح: "لماذا تتحدث عن الفساد؟"، وكأن كشف الفساد هو الجريمة وليس الفساد نفسه! أصبح الفاسدون محميين بمصالحهم ونفوذهم، بينما يُنظر إلى المصلحين كخطر يجب إسكاته.
المجتمع بين الخوف والتطبيع
عندما تتكرر هذه الظواهر، يصبح المجتمع متكيفًا معها، فتترسخ ثقافة الصمت والخضوع، ويصبح الجهر بالحق نوعًا من التهور. هذا الانحراف في المفاهيم يخلق بيئة خصبة لاستمرار الظلم والفساد، حيث يغيب العدل ويُكافأ المفسد بينما يُقمع الصادق.
هل من أمل في التغيير؟
رغم هذا الواقع، فإن التاريخ أثبت أن كل زمن يشهد قلة ممن يرفضون الاستسلام ويقفون في وجه هذا الانحراف. لا يزال هناك من يؤمن بأن مواجهة الظلم ليست خيارًا، بل واجبًا، وأن تغيير المفاهيم المغلوطة يبدأ من كلمة حق تقال، ومن جيل يرفض التطبيع مع الفساد.
في النهاية، لا يجب أن نصمت لأن الصمت يعني الاستسلام، ولا يجب أن نخاف لأن الخوف يعني استمرار الظلم. سيظل هناك دائمًا صوتٌ يقول: "لماذا تظلم؟ لماذا تفسد؟"، وهذا الصوت وحده قادر على قلب المعادلة وإعادة الأمور إلى نصابها.