لعلكم تتقون ،، 

بقلم:  د. سعيد سالم الحرباجي 

هذه هي الغاية العظيمة المرجو تحقيقها من أداء فريضة الصوم .

إنها التقوى ....
هو ذلك الشعور الذي  يستيقظ في القلوب وهي تؤدي هذه الفريضة ، طاعة لله ، وإيثاراً لرضاه .
هو ذلك الأثر الطيب الذي يجده المسلم ....في سلوكه ، وأخلاقه ، وأفعاله ، وأقواله ، وحركاته ، وسكناته ، وخلواته ، وجلواته .

 إنها التقوى ..
التقوى التي تحرس هذه القلوب من إفساد الصوم بالمعاصي ، ولو تلك التي تهجس في البال .
والمخاطبون بهذا القرآن يعلمون مقام التقوى عند الله ، وقيمتها، ووزنها في ميزانه . 
فهي غاية تتطلع إليها أرواحهم ، وهدف عظيم يسعون للوصول إليه .
  ولذلك كان الصوم أداة من أدواتها ، وطريق موصل إليها ،  ومن ثم يرفعها السياق أمام أعينهم  هدفا وضيئاً يتجهون إليه عن طريق الصيام ( لعلكم تتقون ) .

لذلك كانت التقوى هي المقياس لعلاقة المسلم بربه  ، فهي الضابطة لسلوكه ، الموجِّهة لتصرفاته ، المتحكِّمة في أفعاله وأقواله .
 إنها كلمة جامعة لكل الفضائل ، والقيم ، والأخلاق الحميدة.

ولهذا لما مدح ربنا رسوله لم يزد على أن قال : (وإنك لعلى خلق عظيم) .
وكأن الأصل لهذه الأخلاق كلها { هو التقوى} .
يقول الرافعي : ' لا يمكن تفسير التقوى على التحديد والتعيين، في كلمة تستوعب كل معانيها وما يتصل بها، إلا كلمة واحدة هي الْخُلُقُ الثابت " 

لهذا قيل:
                                                 
"لا إيمان لمن لا تقوى له " 

فالأمة التي يتميز أفرادها بفضيلة التقوى تكون ثمرتها....
 تلك الصفات الاجتماعية الراقية ،  والتي تتبلور في إحياء مفاهيم  الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وتظهر في إشاعة قيم الحرية ، والعدالة ، والمساواة ، والحكم الرشيد ، وتتبدى في التحلي  بفضائل الحب ، والتراحم ، والتعاضد ، والإيثار ، وغيرها من القيم الاجتماعية النبيلة .
  
وكل تلك القيم ، وكل تلك الفضائل ، وكل تلك الأخلاق ....جَسَّدها جيل الصحابة في واقع حياتهم ، ذلك الجيل الفريد الذي استحق - وبجدارة - وسام الشرف من الحق تبارك وتعالى الذي قال فيه :
" كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله"

إنها  التقوى . . حساسية في الضمير ، وشفافية في الشعور ، وخشية مستمرة ، وحذر دائم ، وتوق لأشواك الطريق .
 طريق الحياة . .. الذي تتجاذبه أشواك الرغائب والشهوات ، وأشواك المطامع والمطامح ، وأشواك المخاوف والهواجس ، وأشواك الرجاء الكاذب فيمن لا يملك إجابة رجاء ، والخوف الكاذب ممن لا يملك نفعا ولا ضرا ... وعشرات غيرها من الأشواك  .