دعني أرى الوجه الجميل

بقلم: أبو زين ناصر الوليدي


كنت يوما جالسا في السوق مع صديق نتبادل أطراف الحديث ونتجاذب الكلمات ، إذ مر بجانبنا صديق آخر وسلم علينا مشيرا بكفه، ومرسلا من وجهه ابتسامة جميلة معبرة عن الحب والتقدير، فلما مضى لسبيله التفت إلي صديقي وجليسي وأخبرني عن زلة وقع فيها ذلك الصديق، وعثرة أنزلقت فيها قدمه قبل عشرين سنة، وليته لم يحدثني أو يخبرني، أعترف أني كلما لقيت ذلك الصديق قفزت إلى فكري تلك العثرة، وتركت أثرها في نفسي تجاه أخي هذا...

فهذا الأخ العاثر لم ينفك عن صفته البشرية، فكلنا بنو آدم وكل ابن آدم خطاء، وما منا من أحد إلا وبينه وبين الله ما يحب أن يستره الله عليه، في ذلك اليوم الذي حدثني صديقي عن صديقي أحدث لي ربكة وبلبلة نفسية، ومضيت إلى أحد المطاعم لأشرب شاي مع عدد من الأصدقاء فكنت أتأمل في وجوههم وأقول في نفسي، هذه الوجوه التي أمامي جميلة مليئة بالحب مفعمة بالصدق تتغشاها البراءة، ولكن حتما أن هناك وجها آخر لكل منا، وجه الخطيئة والنقص والعيب والعثرات التي يغطيها ستر الله كما تغطي هذه الملابس التي نلبسها عوراتنا، فلا شك أن تحت هذه الثياب عورات لازبة احتاجها تكويننا البشري لا تنفك عنا، ولكن حياتنا تمضي ونحن نحمل عوراتنا ونسترها ونتعايش جميعا ولكل منا تحت ثيابه عوراته،

ومما يذكر الرواه أن المسور بن مخرمة كان في مكة شديداً على معاوية ينشر أخطاءه ويحرض الناس عليه ويذكر جوانب الإخفاق في مواقفه، وكان ذلك يبلغ معاوية، حتى جاءت اللحظة التي وفد فيها المسور إلى الشام ودخل على معاوية وانفرد به، فقال له معاوية: يا مسور هل بينك وبين الله خطايا وعيوب وذنوب تود أن يسترك الله عليها في الدنيا وأن يغفرها لك في الآخرة ؟ قال المسور : نعم. قال : فما يجعلك برجاء الآخرة أحق مني؟ فوجم المسور، فكان بعد ذلك كلما ذكر معاوية دعا له. منه

وأحسن من هذا أن المعلم العظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوجه أصحابه أن لا يبلغه أحد شيئا يكرهه عن الآخرين قال : إني أحب أن أخرج إليهم وأنا سليم الصدر،

فلا تكن يا أخي طائر الخراب أو كالقط الذي يخمش الوجوه ودع الخلق يتعايشون فيما بينهم بما يظهر من الوجه الجميل، فكلنا كما قال أبو العتاهية:


أحسن الله بنا إن الخطايا لا تفوح

فإذا المستور منا بين ثوبيه فضوح


والنبي صلى الله عليه وسلم توعد الذين يتتبعون عورات الناس وعيوبهم وزلاتهم أن يتتبع الله عوراتهم ويفضحهم في قعر دارهم.

وذات يوم رأى عيسى بن مريم عليه السلام رجلا يسرق فقال له أسرقت؟ قال: كلا والله الذي لا إله إلا هو ، فقال عيسى عليه السلام : آمنت بالله وكذّبت عيني، وفي موقف آخر يرى سيدنا عيسى بن مريم عليه السلام الناس يحيطون بامرأة وقعت في خطيئة يريدون أن يرجموها فقال لهم عيسى: لا يرجمها إلا من كان منكم بلا خطيئة، فتفرق الناس عنها جميعا.. لأنه ما من أحد إلا وله خطيئة يكتمها عن الناس ويرجو أن يغفرها الله له.

وقبل كل هذا وفي أول لحظات وجودنا زل أبونا آدم عليه السلام وأكل من الشجرة وأخرج من الجنة وهبط إلى الدنيا ليورث لأبنائه صفة النقص والزلل من خلق أجوف لا يتماسك.

ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة.

( يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا) .

ربنا أغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا واستر عيوبنا ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين امنوا ربنا إنك رؤوف رحيم