عذراً يا ولدي

بقلم/ حسين السليماني الحنشي 


عن ماذا أحدثك ياولدي ، ومن أين أبدأ ؟ 
بدأ ولدي يتحدث مباشرةً: لقد سمعت عن بدر، عن أُحد، وعن القادسية واليرموك وحطين وعين جالوت، ونهاوند ، وو...
سمعت عن رجال أمثال، عمر بن الخطاب ، وخالد بن الوليد وصلاح الدين الايوبي، ...
فقلت له: هذا عالم تحلق في سمائه، قلوبا مثل قلوب الطير في النقاء والصفاء! 
ذاك عالم فيه القلوب صافيه خالية من الحقد، قد ضربت أروع صور الإتباع لله ورسوله.
فيه القلوب على قلب رجل واحد!
عالم فيه الجار للجار ! عالم فيه الاقربون أولى بالمعروف ! 
 عذرا ياولدي ، فقطار ذلك العالم تحرك، وما نراه من هذا الخلق الكثير في محطة القطار إلا أفراد لايملكون غير الركوب على المقاعد الخلفية، وهم نياما حتى ينزلونهم...
لا تحدثني عنهم فهم كالأموات...
وعليك أن تعلم ياولدي، إن آخر محطة كان فيها هؤلاء الرجال، هو القدس!
فكان لايفارقهم كتاب ربهم ...
ولدي: إلا تشاهد يا أبي،  تلك الرفوف الخشبية البراقة بالألوان المضاف إليها الزجاج الملون؟ 
أنها رفوف جميلة تحمل كتاب ربنا؟
قلت يا ولدي: خذ نسخة منها.
ولدي: أعذرني يا أبي، فقد وجدتها ممتلئة بالرمل.
قلت له: للأسف كان مهجورا!
يا ولدي، عليك أن تعلم إن الأمم الكبرى التي تسود في التأريخ هي الأمم المحاربة، فالأمم التي لا تحارب تتحول إلى أمم وضيعة، تضيع فيها الأوطان والكرامة، وما تضيع إلا بسبب هجرنا لكتاب ربنا، ونحن ياولدي، على مدى تاريخنا القريب، أمة لا تحارب، فيحارب عنها غيرها؛ لأننا هجرنا وصايا رسولنا، وأصبحنا أمة متسولة من بين الأمم...
ياولدي: قد شنت الحروب علينا من قبل، لكن هذه المرة هي أخطر أنواع الحروب علينا، أنها حربا ضد الأخلاق وضد التعليم... 
يا أبي: أنني كلما قرأت عن رجال حول الرسول ، أدركت كم نحن بحاجة لهم، والاقتداء بهم، لكن مدارسنا أكثر من فيها يتقاضون أجرتهم من الخارج!
حتى أنك تراهم قد تغيروا في سلوكهم، كأنهم يشبهون كهنة المعبد !
فنظر إلّي ولدي  وأنا مطأطأ رأسي .
فأدرك ولدي، كم هو الفرق شاسع وكبير...!