مذكرات طالب جامعي في زمن الانهيار
بقلم: نبيل الحريري
في بلادنا قبل الحرب، كان التعليم الأساسي والثانوي والجامعي يترنح عند حافة الصفر، وبعد الحرب، سقط إلى ما دون ذلك. ثلاثون عامًا من السياسات الممنهجة لتهميش المعلم، وتفريغ المدرسة من مضمونها، وتحويل الجامعة إلى مصنع للشهادات الورقية، لا للمعرفة.
وأنا كطالب جامعي، أعيش يوميًا داخل هذا المشهد المهترئ، أختبره في القاعات، في المحتوى، في غياب الكفاءة، وفي جدران جامعية تخلو من الروح. ومع ذلك، كنت أسمع الخطاب من السلطة السابقة، تتحدث بثقة عن "إنجازات تعليمية"، وتتباهى بمؤشرات لا تعكس الواقع، في مشهد يعكس _انفصامًا سياسيًا بين الخطاب والممارسة_. وما يُؤلمني أكثر، أن هذا التناقض لم يبقَ حكرًا على السلطة، بل تسلل إلينا نحن الطلاب، فأصبحنا جزءًا من منظومة الانهيار، نتقبل الشهادات دون تعليم، ونحتفل بالتخرج من مؤسسات لا تُخرّج إلا العجز.
كثير من زملائي—وأقول هذا بألم لا احتقار — لا يمتلكون أدوات التفكير النقدي، ولا يسعون لتغيير واقعهم، بل يرضون بما هو قائم طالما أن الشهادة ستُمنح في نهاية المطاف. وحين نتخرج، نذرف الدموع فرحًا، لا لأننا اكتسبنا علمًا، بل لأننا نجونا من نظام تعليمي لا يُعلّم. ثم نحلم بالسفر إلى الخارج، لنتفاجأ هناك بأن ما تعلمناه لا يؤهلنا للمنافسة، فنعلّق في حلقات من الإحباط والغربة، وقد لا نعود.
أما من يبقى، فقد يصبح أستاذًا جامعيًا يُعيد تكرار نفس الدائرة، أو موظفًا في مؤسسات رسمية يُكرّس الفساد باسم "التعليم"، وكأن الشهادة أصبحت بوابة سلطة لا علم.
حتى الآباء—وأنا أرى ذلك في محيطي—يعلمون تمامًا أن التعليم منهار، لكنهم لا يعترضون. بل يشاركون في حفلات التزييف(حفلات التخرج)، يحتفلون بمعدلات خيالية لأبنائهم، وكأنهم لا يدركون أن هذه الأرقام لا تعني شيئًا في واقعٍ ينخره الفساد من جذوره.
هكذا، لم يعد التعليم وسيلة للتحرر، بل أداة لإعادة إنتاج الرداءة. وأنا لا أكتب هذا النص بصفة "ناقد خارجي"، بل كواحد من جيلٍ يعيش هذا الانحدار بصمت. وعندما يصبح المجتمع شريكًا في هذا الانهيار، فإننا لا نكون أمام أزمة تعليم فقط، بل أمام أزمة وعي، وأزمة وطن.
نبيل الحريري