اللواء أحمد عبدالله التركي.. أيقونة المجد والصقر الجنوبي الذي لا يهوى الانكسار
حين تفيض الأرض بالدم، وتضيق السماء بأنين الأمهات، ويتحول صمت الليل إلى عزاء دائم، هناك من يرفض أن يُطأطئ الرأس، من يختار أن يكون جدارًا من شموخ، لا يخترقه الرصاص ولا تهزه العواصف ،هناك من يترك دفء بيته، ويودّع أبناءه بعيونٍ دامعة، ليسير نحو المجهول حاملاً روحه على كفه، لا يطلب مجدًا، ولا يسعى لسلطة، بل يقاتل لأجل أن يحيا شعبه بكرامة.
في لحج، وفي كل شبرٍ من تراب الجنوب، وُلدت حكاية لا تشبه سواها، حكاية رجلٍ لم تروِها الكتب بعد، لكنها محفورة في قلوب من عاشوا تحت سماء النار، وسمعوا صدى اسمه يتردد في الجبهات، إنه اللواء الركن أحمد عبدالله التركي، القائد الذي حين اشتد الخطر لم ينتظر الأوامر، بل أطلق الروح قبل الرصاصة، وسبق الجيوش بخطاه ،قاد معارك التحرير في الجبهة الغربية بمحافظة لحج، وكان أول من يتقدم الصفوف، وآخر من يغادر ميادين القتال، في كل مواجهة، كان يكتب فصلاً من فصول الشرف، لا بالحبر، بل بالدم والعرق والدموع.
حينما اجتاحت الميليشيات الحوثية المدعومة من طهران الأرض والإنسان، واندفعت كالسيل العرم في محاولة لابتلاع الجنوب، كان اللواء أحمد عبدالله التركي في مقدمة الصفوف، لا خلفها ،قاد معارك التحرير في الجبهة الغربية بلحج بشجاعةٍ لا توصف، وإقدامٍ لا يُضاهى ،لم يكتفِ بالخطط العسكرية ولا بالأوامر الميدانية، بل كان أول من يعانق التراب، وأول من يواجه الرصاص بصدرٍ مفتوح وروحٍ مشبعة بالإيمان.
في عدن، حيث اشتدت نيران الحرب وتعالت صرخات الأبرياء، رسم التركي بدمه طريق النصر. قاد وحداته بشرف وذكاء، وأعاد ترتيب الجبهات بروح القائد الميداني الذي لا يهاب الموت.
ورغم ما خلفته الحرب من جراح نازفة وذكريات موجعة، ظل اللواء أحمد عبدالله التركي وفياً للأرض التي نشأ وترعرع فيها، وللشعب الذي لطالما حمله في قلبه، واحتضنه في كل محنة، لم ينسَ لحج، ولم يتخلَّ عن أهلها، بل واصل العمل ليل نهار من موقعه كمحافظ، واضعًا مصلحة المواطن نصب عينيه، حاملاً همّ الناس ومعاناتهم على عاتقه، كما حمل في الأمس البندقية على كتفه.
في كل زيارة إلى مديرية، أو جولة في منطقة نائية، ترى وجوه الناس تضيء حين يمر، ليس لأنه مسؤول، بل لأنه "أحمد التركي"... القائد الذي لم يخذل يومًا أهل الجنوب، ولم يتاجر بدماء الشهداء، بل ظلّ وفيًا لعهدهم، سائرًا على دربهم.
حين تتصفح سجل هذا القائد، لا يمكنك سوى أن تشعر بخليطٍ من الحزن والفخر، حزنٌ على ما عاشه الوطن من تمزقات ومآسي، وفخرٌ برجلٍ صمد وثبت حين تهاوت القلاع، وصار صوتًا للحق في زمن طغت فيه الأصوات الخافتة.
كل بيت جنوبي يعرف من هو أحمد التركي، وكل أمٍ ثكلى وجدت فيه العزاء حين غاب فلذات الأكباد ،وكل طفلٍ يتيم، وكل جريح حرب، وكل مقاتل عاد من الجبهة، يعرف أن هناك من لم ينسَهم، من لا تزال قلوبهم تسكن في قلبه.
وفي هذا الزمن الملبد بالغيوم، يبقى اللواء الركن أحمد عبدالله التركي شعلةً لا تنطفئ، ورمزًا من رموز الصمود الوطني، ونموذجًا حيًا للقائد الذي لم يبدل ولم يغير، بل ظل ثابتًا على مواقفه، صلبًا في مبادئه، نقيًا في توجهه، وفيًا لوطنٍ جرحه ينزف، لكنه لا يموت.
تحية تقدير ووفاء لهذا القائد الذي لم يتراجع، ولم يساوم، ولم يبع الوطن في بازار السياسة، تحية لكل قطرة عرق ودم تركها على تراب الجنوب، ولكل موقف شرف سجله في دفتر التاريخ.
نسأل الله أن يحفظه، ويسدد خطاه، ويوفقه لما فيه خير الوطن وأهله، فقد أثبت التركي أن الرجال الحقيقيين لا تُصنعهم المناصب، بل تصنعهم المواقف ؛هكذا يكون القادة...وهكذا يُكتب المجد.