جياع في أرضٍ غنية

أي جنوبٍ هذا الذي يتفاخرون به؟

جنوبٌ تُذل فيه البطون قبل أن تُذل فيه الأصوات.

جنوبٌ يبيت فيه الرجال على الطوى، وتنام فيه الأمهات والدمعة معلقة في طرف العين من قهر الحاجة وقلة الحيلة.

جنوبٌ إن سألت فيه عن العدالة، قالوا: انتظر، وعن الأمل قالوا: اصبر، وعن الخبز قالوا: ما فيش!

كيس الطحين صار حلم.

مش بلقيس، ما لقينا حق كيس!

الأسعار نار، والراتب رماد.

تدخل السوق كأنك داخل على معركة: تشوف، تحسب، تتنهد، وتمشي.

تشتري كيس رز… وتترك كيس الطحين.

تشتري شوية خضار… وتقول للباقي "سامحونا".

وصلنا لمرحلة ما عاد فينا نلحق على شيء.

والناس؟

الناس ساكتة، لكنها تنزف بصمت.

عيب!

والله عيب اللي حاصل فينا.

عيب بلد بثروات الجنوب، وموارد البحر، وذهب الأرض، تنذل فيها العوائل عشان دبة غاز!

عيب دولة، أو بالأصح شبح دولة، تشوف الجوع وما تتحرك، تشوف الذل وما تهتز، تشوف الناس تنهار وتكمل نومها!

وين الحكومة المصونة؟

وين الوزراء اللي يتكلموا عن التنمية وهم في فنادق خمس نجوم؟

وين المسؤولين اللي يطلوا علينا من فوق وهم ما يعرفوا سعر كيس الطحين، ولا كم يوصل دبة الديزل، ولا كيف يعيش موظف راتبه ميت؟

يقولوا: الوضع تحت السيطرة!

تحت سيطرتهم هم، فوق جثثنا، فوق جوعنا، فوق تعبنا اللي ما عاد له وصف.

أصبحنا في وطن لا يعرف قيمة الإنسان.

تموت قبل تموت، وتنذل قبل حتى تطلب.

تشتغل من الفجر حتى المغرب، وترجع بيد فاضية وقلب مكسور.

والشعب؟

صابر، مش لأنه راضٍ، بل لأنه ما بيده شيء.

كل واحد فينا يحمل خيبته على ظهره، ويمشي.

كل أم تكتم بكاءها في الليل عشان ما توقظ صغارها.

كل شاب دفن حلمه عشان يشتري دواء لأبوه.

إلى متى؟

إلى متى نظل نعيش في وطن لا يحترمنا، ولا يشعر بنا؟

إلى متى نظل نموت جوعًا، وهم يموتوا تخمة؟

إلى متى نظل نشتري الخبز بالدين، وهم يشتروا الفلل بالعملة الصعبة؟

كفى.

كفى تمثيلاً باسم الوطن.

كفى تلاعبًا باسم الجنوب.

كفى سرقةً باسم القضية.

كفى كذبا باسم السيادة.

الكرامة مش شعار.

الكرامة رغيف، دواء، ماء نظيف، تعليم، أمان، حكومة تحس فينا، ما تدوسنا.

ونحن؟

مش عبيد.

مش خراف ساكتة في حضيرة الفساد.

نحن بشر… ولنا وجع، ولنا حق نعيش.

ولنا الحق نقولها بأعلى الصوت:

ما عد فينا نتحمل… والماء فاض، والكرامة غرقت، والسكوت صار خيانة.