بين الغلاء والعطالة… مواطن يُصارع الحياة بصمت

بقلم: صفاء المليح

في هذا البلد الذي صار كل شيء فيه يرتفع إلا دخل المواطن… يُولد الألم كل صباح.
يخرج البعض إلى أعمالهم، والبعض الآخر يخرج دون وجهة، يجرّ أقدامه من شارع لشارع، يبحث عن فرصة، عن باب يُفتح، عن أحدٍ يقول له: "تعال اشتغل".
لكن لا شيء…
أبواب مغلقة، وقلوب لا تبالي، وأسواق تتضخم بالأسعار، بينما البطالة تتضخم في الأرواح.

من لا يملك عملًا في زمن الغلاء، لا يعيش فقط فقر المال، بل فقر النفس، وانكسار الروح، وفقدان الأمان.
كل يومٍ يبدأ عنده بسؤال: "ماذا سأفعل اليوم؟"، وينتهي بحسرة: "لم أستطع أن أشتري شيئًا لأطفالي".
كم من رجلٍ نام وأطفاله جياع؟
كم من أمّ بكت بصمت لأنها لا تملك ما تطبخه؟
كم من أسرة طُردت من بيتها لأنها لم تسدد الإيجار؟
كم من كرامة داستها الحاجة؟!

الأسعار في تصاعد مرعب، والرواتب -إن وجدت- لا تكفي حتى منتصف الشهر.
لكن المأساة الكبرى هي من لا يملك حتى راتبًا…
ذاك المواطن الذي لا وظيفة له، ولا سند، ولا مورد…
يقف في طابور الحياة، لكنه لا يتحرك، لا يملك ثمن التذكرة.

الغلاء لم يرفع فقط أسعار المواد، بل رفع الضغط النفسي، زاد من حالات الاكتئاب، فرّق أسر، قتل الأمل، ودفن أحلام آلاف الشباب.
في بلد لا يجد فيه الخريج وظيفة، ولا العامل فرصة، ولا الأب ما يُطعم به أبناءه…
ماذا بقى من الحياة سوى العذاب؟

الناس لم تعد تطلب الكثير…
يريدون عملًا بكرامة، دخلًا يغنيهم عن السؤال، بيتًا لا يخشون الطرد منه، طعامًا يكفي صغارهم، ودواءً لمن يئنون في بيوتهم دون علاج.

أليس من حق المواطن أن يعيش؟
أليس من واجب الدولة أن تخلق فرص العمل؟
أين الخطط؟ أين العدالة؟ أين الرحمة؟
أم أن المواطن البسيط مكتوب عليه أن يُكافح وحده، ويُعاني بصمت، حتى تنطفئ روحه؟

نحن في حاجة إلى التفاتة إنسانية قبل أي شيء…
إلى من يستشعر أن هذا العاطل عن العمل لا يستجدي، بل يطالب بحقه.
إلى من يعلم أن البطالة ليست عيبًا، ولكن ترك الناس بلا أمل هو العيب الأكبر.

ارحموا من لا يملك عملًا…
افتحوا لهم أبوابًا لا أبواب السجون النفسية.
عيشوا لحظة من لحظاتهم، وستعلمون كم هي الحياة قاسية لمن لا يملك شيئًا.