كيف تحولت وزارة الزراعة والأسماك من جهة هامشية إلى لاعب استراتيجي؟

(أبين الآن) تقرير | جلال الصمدي
لعقودٍ طويلة بقيت فيها وزارة الزراعة والري والثروة السمكية في بلادنا عنوانًا شحيح الظهور،ووزرًا ثقيلاً على كاهل الموازنة،وجناحًا هامشيًا في معركة التنمية الشاملة كانت أنشطتها محصورة في توزيع دعم محدود للمزارعين والصيادين وما شابه ذلك من إجراءات تقليدية لا تتجاوز حدود التصريحات لكنها اليوم وبعد ثلاث سنوات تحوّلت إلى أحد أكثر القطاعات حيوية وتأثيرًا في منظومة الأمن الغذائي والإقتصاد الوطني،في مرحلة تعاني فيها بلادنا من شح الموارد،وانكماش الاقتصاد،وتزايد التحديات المناخية والإجتماعية.
فمنذ أواخر العام 2020م وعقب تشكيل حكومة الكفاءات السياسية، تسلّم اللواء سالم عبدالله السقطري زمام هذه الوزارةفي مرحلة من أكثر المراحل تعقيدًا في تاريخ الدولة، إلا أن ذلك لم يُثنيه عن خوض مغامرة إصلاح حقيقي للقطاع الزراعي والسمكي، مستندًا إلى رؤية متماسكة، وخبرة ميدانية طويلة، وإيمان عميق بأن الزراعة والثروة السمكية ليستا مجرّد قطاعين خدميين، بل هما صماما أمان استراتيجيان،ومفتاحا استقرار مستقبلي ورافدًا رئيسًا للاقتصاد الوطني وخط دفاعٍ أول في مواجهة الأزمات البيئية والمناخية وجزء لا يتجزأ من منظومة السيادة الوطنية.وأول ما فعله السقطري فور تسلّمه الوزارة هو إعادة تعريف وظيفة الوزارة ومكانتها في الاقتصاد الوطني.وجعلها مركز إنتاج وطني، وسُلطة تخطيط استراتيجي، لا مجرد جهة منفذة. وعليه، بدأت عملية إعادة تأهيل شاملة للمؤسسات والمراكز التابعة لها، من الإدارات الفنية والميدانية إلى مراكز البحث والإرشاد الزراعي والسمكي مرورًا بآليات التقييم والمتابعة، وتفعيل الشراكات الدولية والمحلية
•وفي هذا التقرير سوف نسلط الضوء على معالم هذا التحول،والخطوات الكبرى التي خطّتها الوزارة تحت قيادة السقطري خلال الأعوام الثلاثة الماضية لتتحول من جهةٍ هامشيةٍ تكاد تندثر في قائمة الأولويات، إلى لاعبٍ استراتيجيٍّ فاعلٍ على طاولة التنمية، لا يُستهان بآرائه، ولا يُهمل في سياساته والبداية.
•علامات فارقة في تاريخ وزارة الزراعة والري والثروة السمكية في بلادنا :-
من النقاط الفارقة في تاريخ وزارة الزراعة والري والثروة السمكية في بلادنا هو نجاح الوزارة في كسب ثقة الشركاء الدوليين فبعد سنوات من التردد والجمود أعادت الوزارة فتح قنوات الشراكة مع العديد من المنظمات الدولية ومن أهمها منظمة الأغذية والزراعة (FAO) وبرنامج الغذاء العالمي (WFP) والوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) وصندوق أبوظبي للتنمية والبنك الإسلامي للتنمية والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي.ولذلك لم تعد علاقتها بالمنظمات علاقة "تمويلات مشروطة" بل شراكة تخطيط وتنفيذ واستدامة، وهو ما انعكس في نوعية المشاريع التي تنفذها.
وليس من المبالغة القول إن ما تحقق في عهد الوزير السقطري هي أكثر من مجرد مشاريع إنه تحول في مفهوم الإدارة وفي طبيعة العلاقة بين الدولة والمواطن وبين التخطيط والتنفيذ.لقد اختار أن يبدأ من حيث يتوقف الآخرون، وأن يعمل من الميدان لا من الأبراج، وأن يجعل من الوزارة رافعةً حقيقيةً للتنمية، لا مجرد واجهة للروتين ومن ميناء الاصطياد في حجيف، إلى سد حسان في أبين، تتشكل قصة تستحق أن تُروى، لا لأنها منجز فرد،بل لأنها ثمرة عقل وطني، وإرادة صلبة، وعمل جماعي لا يعرف المستحيل.
•سد حسان في أبين:علامة فارقة في عهد الوزير السقطري وشراكة الإمارات التنموية:-
سد حسان في محافظة أبين جنوب اليمن ليس مجرد منشأة مائية، بل هو قصة نجاح بدأت تأخذ شكلها الملموس بفضل الجهود الدؤوبة التي بذلتها وزارة الزراعة والري والثروة السمكية، بقيادة معالي الوزير السقطري حيث يعد السد من أحد المشاريع الاستراتيجية التي تستهدف تخزين مياه الأمطار والسيول، والحفاظ عليها لاستخدامها في ري الأراضي الزراعية وتلبية احتياجات السكان من المياه. كما يساهم السد في الحد من مخاطر الفيضانات التي تتكرر في المنطقة مسببة خسائر مادية وبشرية.
•بين التخطيط والتنفيذ..سد حسان مشروع بحجم وطن:-
المشروع الذي يُنفّذ على مرحلتين، بدأ فعليًا بأعمال المرحلة الأولى، التي تتضمن إقامة سد تخزيني بسعة 19.5 مليون متر مكعب من المياه، بتكلفة بلغت 78 مليون دولار، في تمويل سخيّ من الأشقاء في دولة الإمارات العربية المتحدة، عبر صندوق أبوظبي للتنمية، الذي لطالما كان حاضرًا في المشاريع الإنمائية ذات الطابع الاستراتيجي في اليمن والمنطقة.هذا التمويل لا يأتي فقط في إطار دعم فني ومالي، بل في سياق شراكة تنموية فاعلة ومستمرة، تقوم على رؤية موحّدة لضرورة النهوض بالمناطق المتضررة من الحرب، وتحديدًا المحافظات الزراعية التي تُعد العمود الفقري للأمن الغذائي في اليمن، وعلى رأسها أبين.
•مرحلة أولى تمهّد لبنية مائية مستدامة:-
المرحلة الأولى من مشروع سد حسان هي الأضخم، من حيث الحجم والتمويل والتأثير. فهي تتضمن إنشاء جسم السد الخرساني، والمنشآت المساعدة، وبحيرة التخزين التي ستجمع نحو 19.5 مليون متر مكعب من المياه، وهو رقم كبير بالنظر إلى طبيعة السيول التي تمر بالمنطقة.هذا المخزون المائي سيمثل المورد الأساسي لري الأراضي الزراعية، وسيسهم في تعزيز منسوب المياه الجوفية، وتحسين قدرات السكان على مواجهة فترات الجفاف، كما سيؤدي إلى تقليل تدفق السيول الجارفة التي طالما كانت سببًا في تدمير المحاصيل والممتلكات والبنية التحتية.وقد خُصص لهذه المرحلة مبلغ 78 مليون دولار، تم توفيره من صندوق أبوظبي للتنمية، وهو تمويل استثنائي يعكس الحرص المشترك على إنجاح المشاريع التنموية ذات الطابع الاستراتيجي، بعيدًا عن الصراعات السياسية والمصالح الضيقة.
•نسبة الإنجاز وتقدم العمل:-
تشير آخر البيانات الرسمية إلى أن نسبة الإنجاز في مشروع سد حسان وصلت إلى حوالي 60%، وهو إنجاز بارز في ظل الظروف المعقدة التي تواجهها بلادنا. هذا التقدم يشمل استكمال أعمال التنظيف، إصلاح الأضرار الهيكلية، وتحسين نظام التصريف وتحكم المياه في السد.وهذا الإنجاز يعكس حرص معالي الوزير على إتمام المشروع في وقت قياسي، وضمان استمرارية العمل دون توقف رغم التحديات الأمنية والاقتصادية. ويؤكد أن سد حسان يقترب من استعادة دوره كمصدر حيوي للمياه في أبين، بما ينعكس إيجابياً على الزراعة وتحسين مستوى المعيشة.
•الدعم الإماراتي..التنمية قبل الشعارات:-
لطالما كانت دولة الإمارات العربية المتحدة شريكًا موثوقًا في عملية التنمية في بلادنا. وعلى خلاف بعض الجهات التي تكتفي بالشعارات أو المساعدات العاجلة، اختارت الإمارات أن تدعم مشاريع طويلة الأمد، لها أثر مباشر ومستدام على حياة الناس، وهذا ما نراه جليًا في مشروع سد حسان، الذي سيكون له أثر إيجابي يمتد لعقود.وقد جاء اختيار صندوق أبوظبي للتنمية لتمويل المشروع نتيجة لدراسة استراتيجية أظهرت أهمية السد في تعزيز الأمن المائي والغذائي، وتثبيت الاستقرار في واحدة من أكثر المحافظات الجنوبية هشاشة.هذا الدعم ليس مجرد مساهمة مالية، بل هو رسالة سياسية وأخلاقية في وقت عصيب، مفادها أن الأشقاء يقفون مع شعبنا حين يحتاج إلى مشاريع حقيقية تُعيد بناء ما دمرته الحرب، وتُرمم الجسور بين الأرض وأهلها.
•أبين..محافظة على بوابة النهوض:-
محافظة أبين،بوديانها الممتدة من الشرق إلى الغرب تُعد من أهم المحافظات الزراعية في البلاد. لكنها خلال السنوات الماضية، تحولت إلى منطقة منكوبة من حيث البنية التحتية الزراعية والمائية، حيث فقدت شبكات الري قدرتها على العمل، وجفّت الآبار، وتكررت موجات الجفاف، ما دفع بآلاف المزارعين إلى ترك أراضيهم، وإغلاق آفاق الإنتاج المحلي من هنا، جاء مشروع سد حسان كضرورة قصوى، لا ترفًا تنمويًا، ولا استعراضًا هندسيًا. لقد استشعرت وزارة الزراعة هذا الواقع مبكرًا، ووضعت سد حسان في صدارة أولوياتها، إدراكًا منها أن النهوض بأبين يبدأ من الماء، فالماء في هذه الأرض ليس فقط حياة، بل اقتصاد، واستقرار، وكرامة.
•شهادات من أرض الحدث:-صوت المزارعين وسكان أبين:-
لم يكن الحديث عن سد حسان في محافظة أبين مجرّد أرقام ومشاريع، بل حياة ومصير مئات الأسر التي وجدت فيه بارقة أمل حقيقية. تحدثنا مع عدد من المزارعين وسكان المناطق المجاورة للسد، الذين وصفوا كيف غيّر تأهيل السد من واقعهم.قال أحد المزارعين:-"سد حسان ليس مجرد مشروع مائي،بل هو مشروع حياة، يرتبط بأمن الإنسان في محافظة أبين خصوصا وبلادنا عموماً التي تستورد أكثر من 90٪ من غذائها، وتعيش نسبة كبيرة من سكانها على الزراعة التقليدية".أما إحدى النساء فقالت:-"سد حسان سيعيد الاعتبار لمحافظة لطالما كانت السلة الغذائية لبلادنا قبل أن تجتاحها سنوات الحرب والجفاف والإهمال نشكر معالي الوزير وكل من ساهم في هذا الإنجاز."
•وختاماً لم يكن انتشال وزارة الزراعة والري والثروة السمكية في العاصمة عدن مهمة سهلة،فقد بدأت من الصفر تقريبًا، وسط بلد يعيش أزمات مركبة لكن تعامل قيادة الوزارة مع الأمر بمنهجية رجال الدولة،وميدانية القائد،وواقعية الإداري أثبتت وفي أقل من ثلاث سنوات أن الإرادة والرؤية الواضحة قادرتان على قلب المعادلات أن تستيقظ وزارةٌ كانت هامشيةً،وتنفجر في الأداء،وتغدو رافدًا تنمويًا واستراتيجيًا،ليس نتيجة ظروفٍ طارئةٍ فحسب،بل بسبب قيادةٍ مؤمنةٍ بقيمة الأرض والبحر،وقادرةٍ على تحويل الحلم إلى خارطة طريق قابلة للتطبيق.واليوم لم يعد يُنظر إلى وزارة الزراعة والأسماك بترقّبٍ عابر،بل بشغفٍ لمتابعة مشاريعها،واهتمامٍ بتوصياتها،وتعاونٍ مع شركائها.وهي بذلك تمثل بوصلة الأمل لكل المزارعين والصيادين،وسد حسان في محافظة أبين نموذج مصغر من المشاريع التي تواصل الوزارة تنفيذها بهدف تحسين استغلال مياه الأمطار وتقليل الأثر السلبي للجفاف والفيضانات بما ينسجم مع رؤية وطنية لتحقيق الاكتفاء الذاتي في بعض المحاصيل الاستراتيجية.