حقيقة عن وصول خيرنا إلى غزة يجب أن تعرفها
في ظلّ الحصار الخانق على قطاع غزة، وتردي الأوضاع الإنسانية إلى مستويات غير مسبوقة من الجوع والعطش والمرض؛ يبرز سؤال يتكرر على ألسنة الناس، يطرحه الصادقون بقلق، ويردده المثبطون بشك:
"هل يصل دعمنا حقا إلى غزة؟ وهل يجدي جهاد المال نفعًا؟"
الإجابة باختصار ووضوح: نعم، يصل. ويصنع الفرق!
فرغم التحديات، ورغم الحصار المضروب من كل الجهات؛ فإن الجهود الشعبية والمؤسسية لا تزال تنجح – بإصرار لا يُقهر – في إيصال الخير إلى مستحقيه، ولو عبر طرق شاقة، ومسارات محفوفة بالمخاطر، وتكاليف مرتفعة.
غزة لا تعيش فقط تحت القصف، بل تحت سقف من المجاعة؛ بحسب تقرير برنامج الغذاء العالمي (يونيو 2024)، فإن أكثر من نصف مليون إنسان في غزة يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد. والمشاهد المصوّرة التي توثق طوابير الناس أمام مراكز توزيع الطعام، وصراخ الأطفال جوعًا، وبحث الأمهات عن ماء نظيف، ليست مشاهدا درامية؛ بل حقيقة قاسية تُكذِّب صمت العالم.
والمساعدات المتراكمة على أبواب المعابر، وأبرزها معبر رفح، ليست إلا شاهدا على الحصار الذي يقتل بصمت، ويعاقب المدنيين بجريرة أنهم أرادوا الحياة بكرامة.
في غياب المسارات الرسمية، ابتكر الناس حلولهم. من خلال:
- شبكات جمع موثوقة تعمل في كل دولة، لها مناديب ثقات.
- تحويل الأموال عبر محافظ رقمية مثل "باينانس".
- صرف المبالغ داخل غزة عبر صرافين محليين، رغم ما يفرضه الوضع من عمولات مرتفعة.
- شراء المواد من السوق السوداء أحيانًا، لا لترفٍ؛ بل لعدم وجود بديل.
- توثيق التوزيع للمساعدات بمقاطع مصورة تُرسل للداعمين.
نعم، قد يُخصم جزء من المبلغ، وقد يُشتَرى الطعام بثمن باهظ؛ لكن الخير يصل، والدواء يُسعف مريضا، وكسرة الخبز تُحيي قلبا جائعا.
إن الإنفاق في مثل هذا الوقت ليس صدقة نافلة؛ بل هو واجب ديني وأخلاقي وإنساني؛ قال تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ...﴾، وقال ﷺ: «من جهز غازيًا في سبيل الله فقد غزا».
إنها معركة وعي وإيمان، ونحن فيها على ثغر المال والكلمة والموقف، ولسنا معذورين بالقعود.
الصحابة رضي الله عنهم ضربوا أروع الأمثلة؛ أبو بكر جاء بكل ماله، وعثمان جهز جيشًا كاملًا، وعبد الرحمن بن عوف أنفق قافلة من تجارته... أفلا ننفق من فضل أموالنا؟!
ثمة من يشكك، ويقول: "لن يصل شيء"؛ لكن الحقيقة أن أخطر من الحصار هو تثبيط العزائم، وأن الطعن في جهود المخلصين هو طعنة في ظهر الأمة.
نعم، لا يخلو الطريق من عقبات، لكن العاملين في الميدان يبذلون المستحيل، وينقلون الخير من جيوب الأمة إلى موائد المساكين، ولو كلفهم ذلك مالا وجهدا وحذرا وتخفيا.
ماذا يمكننا أن نفعل؟:
- الأإكثار من الإنفاق ولو بالقليل، فالدرهم عند الله قد يُساوي نجاة.
- انشر حملات الدعم بين الأهل والأصدقاء.
- المشاركة في جمع التبرعات ولو على مستوى الأحياء والمدارس والمساجد.
- دعم الجهات الموثوقة التي ثبت أثرها وتوثيقها.
- عدم ترك الدعاء؛ فهو سلاح المؤمن الذي لا يُمنع ولا يُقمع.
- دعوة المؤثرين والرموز للمشاركة؛ فإن الكلمة صوت لا يُستهان به.
فلا تستهِن بأثرك! كل درهم قد يصنع فرقًا. كل كلمة قد تفتح باب أمل. كل دعاء قد يكون سببا في نصر أو فرج؛ قال تعالى: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾.
ختامًا؛ غزة لا تطلب منا المعجزات؛ بل أن نؤمن بأن الخير لا يُحبس، وأن الله إذا رأى في القلوب صدقا؛ فتح لها من الطرق ما لا تراه الأبصار.
﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾.
غزة ستنتصر؛ لا لأن العدو يرحم؛ بل لأن الأمة إذا عادت إلى ربها، لا تُهزم.
عجل الله نصرا غزة!
وجعلنا من المناصرين!
ودامت سلامتنا جميعا!