الرقابة الناقصة لا تنقذ معيشة المواطن

في الوقت الذي يشهد فيه الريال اليمني تحسنًا نسبيًا أمام العملات الأجنبية في المحافظات المحررة، تُطرح تساؤلات جادة حول فعالية التوجيهات الحكومية الأخيرة بشأن الرقابة على الأسواق، ومدى انعكاسها على حياة المواطن اليومية.

رئيس الوزراء سالم بن بريك أصدر توجيهات واضحة بتكثيف حملات النزول الميداني إلى الأسواق لمواجهة موجات الغلاء، ومنع التلاعب بالأسعار بعد تحسن سعر الصرف، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح تبرز حسًا مسؤولًا من الحكومة تجاه الوضع الاقتصادي.. إلا أن التطبيق الميداني لهذه التوجيهات، حتى اللحظة، يبدو محدودًا وانتقائيًا، مما يقلل من جدواها وفائدتها الحقيقية.

تابعنا أخبار الحملات الرقابية، التي انطلقت أمس الجمعة من العاصمة عدن، واليوم في بعض المحافظات المحررة، والتي أغلبها تركزت على البقالات الصغيرة ومحال التجزئة، بينما ظلت الوكالات الكبرى ومورّدو المواد الغذائية خارج دائرة الرقابة، رغم أنهم اللاعب الأساسي في تحديد أسعار السوق من خلال سلسلة التوريد، فهذا التباين في المعالجة يثير تساؤلات عن عدالة الرقابة وجرأتها في مواجهة المتسببين الحقيقيين في الغلاء.

والمفارقة الساخرة أن مدينة المكلا، عاصمة حضرموت، شهدت اليوم تنفيذ حملة رقابة في وقتٍ كانت فيه معظم المحلات التجارية مغلقة بفعل التظاهرات والاحتجاجات المشروعة من قبل المواطنين والانتشار لقوات النخبة والأمن التي شهدتها المدينة! وكأن الجهات الرقابية تسابق الزمن لمخالفة أبواب مغلقة.

وعلى ذكر المخابز، فإنها تُعد مصدرًا غذائيًا يوميًا لا غنى عنه لعشرات الآلاف من الأسر، ما يجعل مراقبة أسعار الرغيف وضبط جودته أولوية لا تحتمل التأجيل. ففي حي الشهيد خالد بالمكلا، وبينما كنت أبحث عن مخبز لشراء بعض الأرغفة، لم أجد إلا مخبزًا يبيع المفروت، ورغم أن سعره قبل التحسّن في قيمة الريال اليمني مائة ريال، إلا أن القائمين على المخبز استغلوا أزمة الناس، ويباع المفروت الواحد بمائتي ريال وسط طوابير طويلة.

ولا تتوقف الحاجة إلى الرقابة عند ذلك، بل تشمل كذلك أسواق اللحوم، خصوصًا الأسماك، التي تُعد الغذاء الرئيسي لسكان المناطق الساحلية مثل حضرموت، ومع غياب الرقابة عن هذه الأسواق، يُترك المواطن تحت رحمة مزاج البائعين وتقلبات السوق اليومية، دون حماية فعلية من الجهات المختصة.

الأمر لا يتوقف عند الغذاء فقط، بل يتعداه إلى قطاعات أساسية أخرى غابت عنها الرقابة كليًا، أبرزها: المستشفيات والمراكز الطبية الخاصة، الصيدليات وأسعار الأدوية، ووسائل النقل وأجور المواصلات، إلى جانب الفنادق والمطاعم والمرافق الخدمية. جميع هذه الخدمات تشكّل عبئًا حقيقيًا على كاهل المواطن، ويؤدي تجاهلها إلى تشويه نتائج الرقابة الحكومية، وتحويلها إلى مجرد تحركات شكلية لا تمس صلب المعاناة اليومية.

ومع كل تحسّن في قيمة الريال اليمني، يتطلع المواطن إلى انخفاض موازٍ في أسعار السلع والخدمات، لكن في ظل غياب رقابة شاملة وعادلة، فإن الفارق بين التحسّن المالي والإحساس المعيشي يبقى كبيرًا، وهو ما يهدد بفقدان الثقة بالجهات الحكومية إذا لم يُعالج سريعًا.

وحتى تُصبح الرقابة أداة فاعلة وشاملة، لا بد من توسيع نطاقها لتشمل كل القطاعات المرتبطة بحياة المواطن، عبر توجيهات رسمية من الوزراء إلى مكاتبهم التنفيذية. فمثلًا، يمكن لوزير الإعلام والثقافة والسياحة إصدار توجيه إلى مديري مكاتب السياحة في المحافظات لتنفيذ حملات رقابة ميدانية على الفنادق والمنتجعات وأسعار الخدمات السياحية، وتقديم تقارير دورية بذلك. كما يمكن لبقية الوزراء المعنيين كالصحة، والنقل، وغيرهم إصدار توجيهات مماثلة لتفعيل الرقابة المؤسسية كلٌّ في نطاق اختصاصه.

إن تحسّن الريال لن يكون له معنى في وجدان المواطن ما لم يقترن بحملات رقابة شاملة تلامس واقعه اليومي. فالمطلوب الآن هو تفعيل الإرادة السياسية وتحريك أدوات الرقابة ليس فقط لضبط الأسعار، بل لاستعادة الثقة بين المواطن والدولة، قبل أن يُصبح شعار "تحسّن العملة" مجرد خبر اقتصادي لا يغيّر شيئًا في حياة الناس.