لودر.. مدينة تمشي فوق الماء
لودر المدينة التي تعودت على الصبر أكثر مما اعتادت على الإنصاف، لا شيء يوجعها أكثر مما يوجعها من غياب ممنهج من قبل السلطات المحلية حتى وإن كانت بحسن نية، سلطة محلية طويلة عريضة لا تنشط ولا تتحرك إلا إذا
لاح في الأفق اسم "منظمة مانحة" أو مشروع دولي يتضمن تمويلاً خارجيًا حينها فقط تُستنفر كل الطاقات وتقام الاجتماعات واللقاءات "وصورني للذكرى"، أو إذا كان هناك زيارة خاطفة للمحافظة مثلًا تلوح في الأفق يظهر الاهتمام" "فجأة"، حينها تستنفر الطاقات والامكانيات وتتزين الشوارع الرئيسية... إلخ، رافعة شعار لمن كل هذا القناديل تضوي لمن؟!.
قضيتنا لهذه الوقفة قضية أزلية قديمة حديثة متجددة دومًا هي "المطر" وما ادراك ما المطر، ما أن يزور المطر مدينة "لودر" حتى تغيب عنه كل تلك الاهتمامات التقليدية، لا نلحظ أدنى خطة عمل "استباقية" لاستقباله كما كنا نستقبل الضيوف الكبار!، فـ "المطر" بسبب أنه لايحتاج إلى تمويل دولي ولا يستأذن أحداً.
جاء المطر هذا الأسبوع للمدينة المحروسة "لودر" كما يأتيها في كل موسم، تنهمر الأمطار وتنهمر معها المستنقعات والبرك والحفر الكبيرة، وتختلط بمياه المجاري والصرف الصحي، وتمتلئ بالمياه الراكدة على طول الشوارع، وتتكوّن بؤر خصبة لتكاثر البعوض والحشرات الناقلة للأمراض وبها تنتشرت الحميات والكوليرا ، وسط غياب تام كالمعتاد لأي تدخل عاجل أو حتى محاولة "ترقيعية" تليق بسكان المدينة وأهلها ومن يزورها.
نأتي إلى الشارع المقابل لـ "مول البسام" فهو مثال صارخ، فقد تحول إلى بحيرة راكدة و "كريف" تبقى المياه عليه أكثر من أسبوع تحت رحمت الشمس، حتى تقوم بواجبها وتتم عملية دورة المياه في الطبيعة،
لا مجاري تصريفية، ولا معدات لشفطها، ولا أي حل يذكر، وكأن المدينة تسير وفق خطة وحيدة دعوا الشمس تتكفل بالمهمة فهي الوحيدة القادرة على حل المعضلة!.
لا حملات نظافة، ولا سيارات بلدية، ولا فرق طوارئ ( أقصد أثناء فترة الأمطار)... بل صمت ثقيل من المسؤولين الذين لا يظهرون إلا أمام الكاميرات حين تكون هناك جهة مانحة في زيارة للمدينة كما أسلفت.
لودر تحاط بالإهمال وسكانها لا يطلبون المعجزات، بل يريدون فقط حضورًا حقيقيًا وعملًا حقيقيًا من سلطة تحترم واجبها، وتكف عن انتظار "موازنات الخارج" لتقوم بمهام يفترض أنها أساسية وبديهية، الجدير ذكره هنا أن كاتب المقال ليس لديه أدنى "علاقة شخصية أو خلاف" مع أيًّا من السلطة المحلية، ولا تربطه بهم معرفة ولو للقاء واحد حتى وأن كان عابر، ابتداء مع المدير العام، وانتهاء مع اصغر موظف ،وأن دوافع المقال كانت نابعة من القلب ومن الحال المتردي للمدينة، ومن الجدير ذكره أيضًا أن هذه المشكلة تتكرر مع كل مدراء العموم للمديرية.
لكن ما يحدث اليوم هو تقصير لا تغفره الشمس، ولا تمحوه قطرات المطر، بل هو وجع مدينة صارت "تمشي فوق الماء"، وغياب تام للسلطة، تنتظر فيه مدينة لودر من يعيد لها اعتبارها قبل أن تجف مياهها الاَسنة.