الكسوف والخوف وأشعة ساق الجار
قديماً، كانت جدتي -ربنا يحسن لها الخاتمة- تقيم للكسوف والخسوف مآتم من الخوف، ما إن يبدأ القمر أو الشمس في الاختفاء حتى تسارع إلى بثّ روايتها الأسطورية تظهر أمامنا خبيرة فلكيه، تخبرنا أنّ الله بهذه الظاهرة يعذب أحدهما لشيئاً خفي نشب بينه وبين الأرض، ولكي تُثبت لنا ذلك، كانت تجلب صورة الأشعّة السينيّة لساق جارنا المكسورة، وتدعونا واحداً واحداً لننظر عبرها نحو السماء، فيبدي لنا ضوء القمر أو الشمس مزيجاً مع العظم المهشَّم، فنصرخ "واو".
فتبتهج جدتي بحماس يطفح بجدية الأمر، قائلة: رايتم كيف الله يعذبه، لقد كسر يده، تفيدنا بأسم العضو بناءً على ما هو وارد في الأشعة، أتذكر أننا كنا نصاب بالذعر لأيام، نرتجف متكورين في زاوية من المنزل، لا نلعب ولا نعمل سوى ما تملي علينا به العائلة، تحيك هذه الأساطير لتبقى لنا السماء مرهونة بخوف ابدي، ننفعها بالوقت الذي تريد، وباللحظة التي ترغب دون أن يرفع أحدنا بصرة إلى السماء خشية أن نتورّط في هذا العقاب الكوني، يتكرر الأمر مع كل مرة تحدث ظاهرتي الكسوف أو الخسوف، وبأشعة مختلفه توضح لنا بأي جزء تمت مقاضاة القمر.
كبرنا، وخرجنا من القرية إلى المدارس مخسوفي الذاكرة بـ سردية جدتي، أتذكر أني شاركت مدرس الجغرافيا آنذاك، هذه المعلومة كـ إجابة لسؤاله كيف يتم الخسوف!؟" شاركته عن ثقة، لحظتها حصلت على توبيخ كبير بعصاة الطويلة، حينها عدت إلى المنزل لا أدري ماذا أقول في جدتي وفي تلك الأشعة وقد أصبحت سرديتها أكبر خيبة سترافقني إلى الأبد.