مصلحته البقاء".. عن الأسد وموقفه بقلب "العاصفة اللبنانية"
وكالات/أبين الآن
رغم اختلاف موقف النظام السوري من حركة "حماس" عن ذاك الذي يقف عنده بخصوص العلاقة مع "حزب الله" والحليف المشترك المتمثل بإيران، يستبعد مراقبون وخبراء أن تغيّر دمشق الاستراتيجية التي تتبعها منذ السابع من أكتوبر، في حال تدحرجت كرة النار على نحو أكبر في جنوب لبنان.
وتتجه الأنظار في الوقت الحالي إلى طبيعة "الرد" الذي ستنفذه إسرائيل ضد "حزب الله" بعدما اتهمته بالوقوف وراء هجوم مجدل شمس في الجولان، مما أسفر عن مقتل 12 طفلا وفتى.
وبينما تخيّم لغة التهديد و"الإيذاء" من جانب المسؤولين الإسرائيليين تثار تساؤلات عن ماهية السلوك الذي سيتخذه بشار الأسد ونظامه في دمشق، وسيناريوهات تطويره أو الالتزام به كما كان سائدا على مدى الأشهر الماضية من الحرب في غزة.
ومنذ اندلاع الحرب في غزة، في أكتوبر الماضي، اقتصرت رواية النظام على التنديد والتأكيد على المواقف، بعيدا عن التهديد أو حتى التلويح بفتح جبهات "الساحة السورية"، ضمن إطار ما يعرف منذ سنوات بـ"وحدة ساحات المقاومة".
وبعد ضربة القنصلية الإيرانية في دمشق، والرد الإيراني، لم يطرأ أي تغير على سلوكه الروتيني، القائم على التنديد ومخاطبة مؤسسات الأمم المتحدة.
ويعتبر هجوم مجدل شمس، الذي تنصل "حزب الله" من المسؤولية عنه، أحدث محطات التصعيد المرتبطة بحرب غزة، ويشكّل نقطة "مفصلية" في المواجهة "عن بعد" التي خاضتها إسرائيل و"حزب الله"، على مدى أشهر مضت.
وفي حين أصدرت وزارة خارجية النظام السوري بيانا دانت فيه ما وصفته بـ"الجريمة البشعة" في مجدل شمس، ومحاولات التصعيد وتوسيع "دائرة العدوان"، لم تشر إلى نيتها اتخاذ خطوات أخرى، سواء على الأرض، أو بأروقة المؤسسات الأممية.
واعتبر المحلل العسكري اللبناني، العميد المتقاعد خالد حمادة أن بيان الخارجية من دمشق كان "سياسيا"، لكي يعبّر النظام السوري عن موقفه من الصراع الدائر.
وقال حمادة لموقع "الحرة" إن البيان أيضا "نوع من الاصطفاف السياسي".
وأضاف موضحا: "محاولة وضع المعتدي أمام المجتمع الدولي كان واجبا روتينيا ولم تقم به الحكومة السورية. ولم تتصرف أيضا بما تمليه أبسط قواعد المسؤولية الوطنية".
"بين حليفين ونظرتين"
ويتلقى النظام السوري دعما من إيران داعمة قائدة ما يعرف بـ"محور المقاومة"، وهو حليف قديم وبارز لـ"حزب الله" في لبنان، الذي انخرط معه بالمواجهة العسكرية على الأرض ضد فصائل المعارضة بعد عام 2011.
وفي المقابل يحظى بدعمٍ من روسيا، الدولة البعيدة التي لم تتخذ الكثير من المواقف العلنية بشأن الأحداث والتطورات المتعلقة بالحرب في غزة، قياسا بنظيراتها في الغرب.
وقبل هجوم مجدل شمس بيومين وصل رئيس النظام، بشار الأسد إلى موسكو، وبعد لقائه مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين قال الأخير إنه "ولسوء الحظ تميل الأمور إلى التفاقم في المنطقة. وهذا ينطبق أيضا على سوريا بشكل مباشر".
وأثناء تطرق بوتين إلى "العلاقات التجارية والاقتصادية والاتجاهات الواعدة في هذا الشأن" حملت كلماته التي نقلها الكرملين مؤشرا على محاولة تقودها موسكو لإبعاد سوريا عن النار المندلعة، وبهدف دفعها إلى الاستقرار.
لكن قبل اللقاء الذي جمع الأسد وبوتين بشهرين فقط ذهب رئيس النظام السوري إلى طهران، وبعدما قدم التعازي بمصرع الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي تلقى رسائل تذكير من المرشد الإيراني، علي خامنئي.
ومضت تلك الرسائل باتجاه التأكيد على "سوريا كدولة مقاومة" والحفاظ على "هويتها"، مع تبيان محاولات إخراجها من "المعادلات الإقليمية" بوعود "لن يوفوا بها أبدا".
ومع أن نظرة إيران في سوريا تختلف عن روسيا بالنظر إلى ما قاله بوتين للأسد، وما ذكّر به خامنئي، لا يرى الخبير في الشؤون السورية بمؤسسة القرن، آرون لوند، المشهد عبارة عن "صراع"، بل أقرب إلى "تباعد المصالح نوعا ما".
ويوضح لموقع "الحرة" بالقول: "لا طهران ولا موسكو تريدان صراعا كبيرا مع إسرائيل، وإن كانا قد يختلفان في مدى استعدادهما للذهاب في دفع سوريا إلى البقاء متورطة، إذا اندلع مثل هذا الصراع على أي حال".
وبمعنى آخر، يضيف الباحث، أن "موسكو وطهران مهتمتان ببقاء الأسد، لكنهما قد تختلفان في مقدار المخاطر التي قد تكونان على استعداد لتحملها عندما تدخل مصالح أخرى في الاعتبار".
ماذا عن "حزب الله"؟
وكان "حزب الله" انخرط في الأعمال العسكرية الداعمة للنظام السوري ضد معارضيه بعد عام 2011، ونشر منذ تلك الفترة مسلحين وقياديين كبار، قتل بارزون منهم بضربات إسرائيلية متفرقة، بعد حرب غزة وقبلها.
وقبل محطة 2011 كان أكثر ما ميّز النظام في دمشق و"حزب الله" في لبنان الدعم وجبهة الإسناد بالسلاح والصواريخ، التي قدمها الأول له عندما اندلعت حربه مع إسرائيل في 2006.
ورغم أن الظروف تختلف في الوقت الحالي، على صعيد الشرارة الأولى التي أدخلت "حزب الله" إلى المواجهة مع إسرائيل إلا أن النظرة باتجاه موقف دمشق تبدو أساسية، بحسب من تحدث إليهم موقع "الحرة".
وبالنسبة لإيران، فإن بقاء "حزب الله" ونجاحه أمر بالغ الأهمية، ولكن روسيا سوف ترغب في المقام الأول في تجنب الانجرار مباشرة إلى صراع، بحسب الباحث لوند.
ولكن في نهاية المطاف، لا يعتقد لوند أن الأسد "يخضع لسيطرة أي من الطرفين"، في إشارة إلى الروس والإيرانيين.
وقد لا يكون قادرا على التحكم فيما يفعله حلفاؤه على الأراضي السورية وفي المجال الجوي السوري في حالة الأزمة الكبرى، و"لكنه قادر على التحكم في نظامه.. ومصلحته الأساسية الآن هي ضمان بقائه"، وفقا للخبير في الشؤون السورية بمؤسسة القرن.
ويرى الخبير العسكري، العميد المتقاعد حمادة، أن النظام في دمشق سيواصل اتباع سلوك "الانكفاء".
ويشير إلى أن هذه الاستراتيجية ليست جديدة، بل خيّمت على التطورات التي جرت على حدود إسرائيل وفي غزة، منذ السابع من أكتوبر.
ومنذ اندلاع الحرب في غزة يقول حمادة إن النظام "تصرف وكأنه ليس جزءا من الصراع ولا ينتمي للعالم، وهو ما كان ملفتا للنظر".
ولا يعتقد الخبير العسكري الآن أن يكون (النظام) موجودا على الساحة أو يتخذ أي دور.
وفي المقابل يضيف حمادة: "النظام ربما يعتقد أن الالتزام بالسياسة الحالية بشكل ساكن هي أحد عوامل بقائه وعدم إسقاطه".
ويعتقد أيضا أن "الاستراتيجية السورية ترتكز على ما يمكن أن يزيد من أوراق النظام ويساهم في ثباته وليس باتجاه معالجة سوريا كوطن مستباح لقوى إقليمية ودولية".
"بيضة قبان"
وكانت سوريا تعرضت لعدة هجمات نسبت لإسرائيل خلال الأشهر الماضية، أسفرت عن مقتل قادة كبار في "الحرس الثوري" الإيراني و"حزب الله".
ووصل التصعيد في الأول من أبريل 2024 إلى حد قصف القنصلية الإيرانية وسط العاصمة دمشق، مما دفع طهران إلى تنفيذ "رد" عابر للحدود، قالت إسرائيل إنها تصدت له.
ولم يتعاط النظام السوري مع تلك التطورات بمحمل الجد، ومن منطق الدولة التي تتعرض لـ"عدوان".
وبينما اكتفى ببيانات الإدانة والاستنكار، كانت وسائل إعلام مقربة منه وحسابات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تنشر صورا للأسد وعائلته في شوارع العاصمة، كأن شيئا لا يحدث في محيطه.
ومن وجهة نظر من دمشق، لا يعتقد الكاتب والصحفي، عبد الحميد توفيق أن "الموقف السوري سيخرج عن الاستراتيجية المتبعة في إدارة الملفات والأزمات"، في رده على الموقف الذي سيتخذه النظام إزاء احتمالية التصعيد الكبير بين إسرائيل و"حزب الله".
ويعتبر في حديثه لموقع "الحرة" أن "سوريا في قلب العاصفة"، ولا يمكن لها "إلا أن تكون في ذلك، وهي تدفع ثمن تموضعها في محور (المقاومة)".
و"فيما لو حدث عدوان إسرائيلي على لبنان تحت ذريعة ضرب حزب الله"، على حد وصف الكاتب المقيم في دمشق "لن يكون انخراط سوريا بالمعنى الميداني، كما لن تكون جزءا في مواجهة العدو الإسرائيلي".
لكنه يوضح في المقابل أن "الأمور ستبقى مقتصرة على الدعم الإسنادي وبالطرق التي اعتادتها سوريا في إسناد حزب الله وبقية فصائل المقاومة".
وتريد روسيا أن تدفع سوريا باتجاه حالة استقرار لأسباب وقواسم مشتركة، ولذلك "نرى ما نراه فيما يتعلق بالتقارب القائم بين دمشق وأنقرة"، بحسب توفيق.
وفيما يتعلق بإيران، يرى الكاتب أنها "تعلم وتدرك جيدا أن الموقف السوري يشكل بيضة قبان فيما يتعلق بإدارة الصراع، وليس خوضه مع العدو الإسرائيلي".
"المصلحة هي البقاء"
وفي وقت سابق، الاثنين، قال مسؤول دفاعي إسرائيلي كبير لوكالة رويترز، إن إسرائيل "تريد إيذاء" جماعة حزب الله اللبنانية، لكنها "لا تريد جر المنطقة إلى حرب شاملة"، بينما قال مسؤولان آخران إن إسرائيل "تتأهب لاحتمال اندلاع قتال يستمر عدة أيام".
وبدوره قال مصدر مقرب من مجلس الأمن القومي الإسرائيلي لمراسل "الحرة" إن إسرائيل "تستعد لضربة موجعة" ضد حزب الله، بحيث تكون "كبيرة لكن بنفس الوقت لا تتجاوز الخط الأحمر"، الذي قد يؤدي إلى انزلاق الأمور إلى حرب إقليمية أو شاملة.
ولا يعرف ما إذا كانت "الضربة" التي تهدد بها إسرائيل ستوقف مسار المواجهة مع "حزب الله"، أو تزيد منها باتجاه التصعيد الأكبر.
وكان الحزب خسر خلال الأشهر الماضية عدة قيادات بارزة، قتل معظمهم بضربات جوية نفذتها إسرائيل في جنوب لبنان وفي مناطق متفرقة بسوريا.
ويشير الخبير لوند إلى أن مصالح الأسد مرتبطة ارتباطا وثيقا بإيران وما يسمى بمحور المقاومة، وسوف يرغب في مساعدة و"حزب الله"، إلى حد ما.
لكنه يؤكد أنه "في حالة مزرية، ولا يستطيع أن يقدم مقاومة تذكر، إذا وجهت إسرائيل غضبها نحو دمشق".
ومن وجهة نظر الخبير العسكري حمادة فإن ما يهم النظام في دمشق "هو البقاء على قيد الحياة".
ويهمه أيضا السلوك الذي "يؤسس لعوامل ثباته، دون أن يأخذ بالاعتبار أي مسائل أخرى متعلقة بالحياة الوطنية في سوريا.
ويضيف الخبير: "إيران حذرت إسرائيل من مغبة الذهاب لحرب مفتوحة ومهاجمة أهداف حيوية، ولم يبادر (النظام) إلى ذلك وكأن الجولان ليس جزءا منه.. هو أصدر بيانا فقد وعلق على حادث وكأنه جرى في دولة ما