أبين.. لمن تعود؟!
بقلم / راجح المحوري
تستقبلك بوجه مربد وملامح مثقلة بأفتك معاني البؤس والفقر والمعاناة!
إنها زنجبار المدينة البائسة..
وأنا أدخل أول أحياء مدينة زنجبار من الجهة الغربية تمثلت الإنسان هنا بهمومه اليومية وهواجس مستقبله، وتاريخ الألم الطويل المرسوم على وجهه كوشم قديم، وذلك الحزن الوقور الصامت الذي يريق القلب دماً، بعد أن أصبحت عروس البحر الضاحكة، مدينة حزينة تنكمش على عريها، وقد أكل وجهها الرصاص، وأحرقت لبوسها قذائف الأحقاد المجنونة.
وتمثلت أبين الحلم، فشعرت أن المسافة بين أبين الواقع، وأبين التي نحب ونتمنى هي مسافة أكثر تعقيداً من متاهة، وأظلم حلكة من منجم في قاع الأرض..!
وليست أبين بالمحافظة الفقيرة، فالأرض خصبة والجغرافيا غنية ولّادة، والإنسان (مخزن الثروة الحقيقي) نشط طموح وصاحب همة عالية، فلماذا تصبح أبين على هذا الحال؟!
لماذا يصبح توفير وجبة الطعام هنا، هم تنوء بحمله الجبال ؟!
لماذا كل هذا ومحافظة أبين تعتبر من أهم محافظات اليمن قاطبة، وأكثرها تأثيرا على الحياة العامة في اليمن بشكل عام، سواء من خلال موقعها الجغرافي، الذي يشكل محورا تدور عليه معظم أجزاء البلد، أو مكانتها على الخارطة السياسية من خلال أعداد هائلة من الرموز الوطنية والمسؤولين، أو من خلال الثقل الإقتصادي، والسكاني فسكان أبين يشكلون 2% من إجمالي عدد سكان الجمهورية حسب تعداد ٢٠٠٤م، وتنتج أكثر من 4% من إجمالي الإنتاج الزراعي على مستوى البلد، (هذا فقط في ما يتم استغلاله من الأراضي الزراعية في المحافظة، وإلا فهناك مساحات زراعية شاسعة لم تستغل وهي قادرة على توفير ما يزيد عن نصف المنتوج الحالي، وربما ما يقاربه أو يساويه)، ناهيك عن الثروة السمكية والجبال التي يستخرج منها الحديد، والرخام ويصنع منها الإسمنت، وكذلك الشواطئ الطويلة، والمقومات السياحية والإستثمارية الكبرى..
فلماذا تصبح أبين على هذا الحال مع كلما يختزن باطن أرضها وظاهره من خير؟!
لماذا يعاني أبناؤها أشد وأقسى المعاناة للحصول على لقمة العيش، وهم الذين ترقص أقدامهم على سبائك الذهب؟!
حقيقة لا أجد إجابات شافية..
لنقل في هذا السياق إن خروج مؤسسات الدولة عن الخدمة لفترات طويلة، والأضرار المادية والمعنوية الجسيمة التي لحقت بالمواطنين هنا، بسبب تعرض المحافظة لحربين متتاليتين، وغياب المعالجات العميقة من قبل الدولة فيما بعد، كلها عوامل أفرزت وضعا اجتماعيا واقتصاديا وإنسانيا وثقافيا صعبا، أدى في نهاية المطاف إلى تكوين ثقافة جديدة تحتكم إلى العنف، حيث تتراجع الثقافة القانونية، وتتلاشى روح والمدنية التي تشكل الأساس الحيوي الأول لقيام الدولة..
الحديث في خلفيات هذه الصورة الفاجعة التي تستقبلك بها أبين يطول، والسؤال الأهم هو:
بما أن وضع المواطن بأبين قد استقر في الدرك الأسفل من بؤس الحياة وعذاباتها، فلمن تعود هذه المحافظة؟ ومن هم أبناؤها؟
نريد أن نعرف الذين يدبون على ظهر هذه المحافظة اليوم؛
هل هم أحياء فنرجوهم؟ أم أموات فنعذرهم؟