الفقيد سالم عبدالله باضاوي.. الشقري النبيه المتزن في عصره..
(أبين الآن) بقلم : أ. أحمد علي المنصب تنسيق : نجيب الداعري
” شخصية تربوية وعسكرية في محافظة أبين“
الميلاد والنشأة:
ولد الفقيد سالم عبدالله باضاوي عام 1952م في مدينة شقرة الساحلية المنتمية إدارياً لمديرية خنفر بمحافظة أبين, تلك المدينة القابعة على البحر العربي، ومن مجتمعها المتجانس مدنيا بعيدا عن التشكل القبلي،ويعد الفقيد أحد أبناء عاصمة آل فضل "شقرة"، ومن بيت من بيوتها (باضاوي) جاء هذا البطل الذي نتحدث عن سيرته في ذكراه الرابعة عشر.
التوظيف الإجباري, وتميزه بالعمل التربوي:
الفقيد سالم عبدالله باضاوي، الشقري النبيه المتزن، تشكل في زمن الرجال، فقد كان فتية ذلك الزمن عجينة أحداث جسام (ثورة واستقلال ودولة)، فكانوا رجالها رغم حداثة سنهم، وبركانها الغاضب، فخلقوا رجالا في سن يافع.
كان الباضاوي أحد هؤلاء الرجال الذين انخرطوا في الثورة، وأبلى فيها بلاء حسنا، ثم جاء الاستقلال وكان أحد راياتها الخفاقة في مدينته شقرة.
وتأكيدا على هذا الدور النضالي، فقد اعتمدت له الأعوام ١٩٦٥م و١٩٦٦م و١٩٦٧م أعوام خدمة محتسبة وليست مكتسبة ضمت إلى خدماته الفعلية، وذلك من قبل دائرة الشهداء ومناضلي حرب التحرير للقطاع الطلابي للدائرة.
اعطيت هذه الخدمة لكل من ناضل ضد المستعمر البريطاني، وشملت القطعات العسكرية والطلابية والمثقفين تقديرا لنضالهم ضد المستعمر.
تعين في سلك التربية معلما من ١٩٦٩م إلى ١٩٧٣م، مؤديا واجبه نحو الجنوب التواق للمدنية وحب التعليم.
تظل مهنة التدريس المصنع الحقيقي الذي يصنع الرجال، فالمعلم يتشكل نفسيا وروحيا؛ ليكون مبدعا في أي موقع شرف في هذا الوطن.
ألم يكن المعلمون هم الساسة الذين قادوا دولة النظام والقانون، قبل أن تتكون العقليات الإدارية والتخصصية.
انخراطه بالعمل الأمني والتكريمات:
حياة الفقيد تقلبت بين العمل المدني (التدريس)، ثم العمل الأمني، حين اختاره جاعم صالح ليكون ضمن أهم جهاز أمني (أمن الدولة) في تشكله الأول، وهذا الاختيار يدل على نباهة الرجل وذكائه الذي يؤهله ليكون في هذا الجهاز، وذلك في العام ١٩٧٣م.
ولنباهته فقد برز سريعا في عمله، وصار أيقونة تشع إبداعا ونجاحا، عندها تدرج في المناصب القيادية ضمن الجهاز، فعين مديرا لمكتب مدير أمن الدولة في الثمانينيات.
ثم عين مدير الأمن الداخلي في محافظة أبين عام ١٩٩٠م، وهو منصب يقابل نائب مدير الأمن السياسي في المحافظة.
حصل الفقيد على الكثير من الشهادات التقديرية والأوسمة تقديرا لدوره البارز في نجاح كثير من الفعاليات.
وبعد العام ١٩٩٤م، كان الباضاوي مدير لأهم دائرة في الأمن السياسي، وهي "دائرة المعلومات" في زمن يتسم بالحساسية الشديدة، فكان الفقيد سالم باضاوي بين المطرقة والسندان، وهو موقف صعيب بين أداء الواجب العملي المهني وبين حماية مجتمعك في حالة تسلط هذا الجهاز.
صفاته الشخصية:
استطاع الباضاوي أن يقيم معادلة غاية في التوازن، فلم يكن مصدرا لأذية أحد، بل كان مصدر حماية لكثير ممن وضعهم القدر بين براثن هذا الجهاز القمعي.
ومن محاسن سيرته التي تنفح عطرا، فالفقيد كان على درجة عالية من النزاهة المشهود له بها، فلم يستغل منصه في البطش أو الظلم أو الاستيلاء على الأراضي أو نهب حقوق الشعب بالباطل.
التقاعد وفترة النزوح الإجباري حتى وفاته:
وعند تقاعده سلم السيارة الخاصة التي منحها له الأمن السياسي، وسلم سلاحه الشخصي لإدارته.
جاء النزوح إجباريا لمغادرة شقرة إلى حضرموت، ومازال بها حتى اختاره الباري رفيقا في ١٨ سبتمبر ٢٠١١م في منطقة روكب في مدينة المكلا. مات وهو لا يملك شيئا سوى راتبه.
رحم الله الشخصية التربوية والعسكرية التي أثرت في تاريخ مدينة شقرة، ورسمت ملامح مجتمع ينبض بالحياة والأمان.
رثاء محبي الفقيد بالقصائد الشعرية:
لموته كان تأثير بالغ وحزن شديد في نفوس محبيه فقد قال فيه شاعر المهجر احمد قصعان قصيدة رثاء مؤثرة حيث قال:
سلامين توصل عبر ساعي البريد/ توصل لكم كلكم مفرد ومثنى وجمله.
بن محيسن يخبر قال مات العميد / ياويل ويلاه قولوا ايش ذي قد حصل له.
قالوا انه انظلم من وقت قاسي شديد/ ترك هوى العنبرية راح بحر المكله.
ويا بحر قلي ايش باتستفيد/ شليت مولى الوفاء وسيت في القلب علّه.
على كيف واسالم تسافر بعيد/ هجرتني ياهلي سنين واشهر وهلّه.
نصحتك ولكنك لشوري عنيد/ خليتني ياضنيني احزن الدهر كلّه.
ولا نوم يهناني وحزني يزيد/ مهموم من فرقتك الهم عاده محلّه.
عيالي رهف. رحمه ومعهم سعيد/ بكوا على فرقتك يهدوك مليون قبله.
وياالموت ريتك باتجي من جديد/ رجع لنا ذا الهلي وشل ذي باتشلّه.
رتبوا الفاتحة على العزيز الفقيد/ والف رحمة ونور تروح له لامحلّه..
وايضا قصيدة رثاء في الفقيد للشاعر عوض البوسطي رحمه الله حيث قال:
الخصال الحسينة يشلها كل زين/ والخاتمة الزين تعمد في الليالي الاخيرة.
يرحمك ربنا ياعقل شقرة الرزين/ ياذي فراقك علينا مثل أمة كثيرة.
ايه بكتب وايه باقول وايهوه حسين/ وكل كلمة انا باها بعيني صغيرة.
انته الاخ ونته الاب ذي هوه أمين/ والصاحب انته وانته كل حاجة كبيرة.
اقنعي ياعيوني ايه انتي تبين/ ماعاد باتبصرين مولى البداة النويرة.
آح في آح ياسالم عسى الله يعين/ على فراقك وعليها الليالي العسيرة.
أسبقوا أسبقوا وحنا من اللاحقين/ ذكر النبي المصطفى قد عمّ خلقه وطيره..
وقصيدة رثاء قلتها انا في عمي فقيد روحي العميد سالم باضاوي قلت فيها:
راح عمي علي عقله بيوزن بلد/
ما باقي إلا معي ذكرى لأيام زينة.
كان عزي وفخري كان ليه سند/
واليوم وحدي نكد وكيف عبّر سنينه.
صاب صاب القدر شله علي بالعمّد/
وترّك القلب في حاله يبا إلا ضنينه.
هكذا يا زمن ترّكتنا للسهد /
وجبت لي ناس ما تعرف تقود السفينة.
يا الزمان العفن ما تزرع إلا نكد/
دي لا تزيّنت لبسّني الثياب الحزينة.
يوم ما سار والله إني كرهت البلد/
لا عاد باها أنا روكب ولا با المدينة
ودعتش الله يا روكب وداع النكد/
القلب موجوع بو سالم يرادف أنينه
دنيا حقيرة وغلابة ولا هي لحد/
دي فرقت بيننا والقلب زادت حنينه
ريته الموت شاورني فديته ولد/
لا جابه الموت ما يعرف أوادم ثمينة
كلها الناس تشهد له بطبعه وود/
والخاتمة الزين تشهد له بروضة جنينه
آخر القول يا الهاجس تصبّر وحد/
بلغ سلامي على نازح وصافح جبينه.
رحم الله الفقيد سالم عبدالله باضاوي وجعل مثواه الجنة


