السفير خالد بحاح.. دبلوماسية التجديد وحراك وطني في القاهرة

بقلم: د.سمير الشرجبي

تمكّنت السفارة اليمنية في القاهرة خلال الفترة الماضية من أن تتحول إلى مركزٍ حيوي للنشاط اليمني والعربي المشترك، بفضل الرؤية المتجددة والقيادة الواعية التي قادها معالي السفير الدكتور خالد محفوظ بحاح، أحد أبرز الشخصيات الوطنية التي جمعت بين الفكر والعقلانية، والخبرة الإدارية والسياسية الممتدة عبر محطاتٍ هامة في تاريخ اليمن الحديث.

ولأنّ التجربة لا تنفصل عن المسيرة، فقد كان الدكتور خالد بحاح قبل تولّيه منصب سفير الجمهورية اليمنية في جمهورية مصر العربية أحد القيادات الوطنية البارزة التي تحمّلت مسؤوليات جسيمة في الدولة، حيث شغل منصب وزير النفط والمعادن، ثم تولى رئاسة مجلس الوزراء في واحدة من أكثر الفترات حساسية في تاريخ اليمن المعاصر، تلك التي سبقت الانقلاب الحوثي الإيراني على الدولة في 21 سبتمبر 2014. كما اختير لاحقًا نائبًا لرئيس الجمهورية ورئيسًا للوزراء في مرحلة دقيقة تطلبت قيادة هادئة وواعية توازن بين مقتضيات السياسة ومتطلبات الحفاظ على وحدة الدولة ومؤسساتها.

ومنذ اليوم الأول لوصوله إلى القاهرة، أطلق السفير بحاح حملة إصلاح شاملة بدأت من ترميم مبنى السفارة وتحسين مرافقها بعد سنوات طويلة من الإهمال، لتستعيد مكانتها كمقرّ يمثل اليمن بصورة تليق بتاريخها وحضارتها. كما أولى اهتمامًا خاصًا بتطوير العمل في القنصلية اليمنية، فقام بتبسيط الإجراءات وتحديث آليات المعاملات، مما انعكس إيجابًا على خدمة المواطنين وسهّل أمورهم بعد أن كانت معقدة ومتعبة لسنوات.

ولم يكتفِ السفير بحاح بالإصلاح الإداري والمظهري، بل اتجه بخطوات مدروسة نحو مأسسة العمل الدبلوماسي وتفعيل حضور السفارة بين أوساط الجالية اليمنية، وبناء جسور تواصل متينة مع المؤسسات المصرية ومراكز الفكر والمثقفين العرب. وهكذا تحولت السفارة إلى فضاءٍ للحوار والتفاعل، عبر ندوات وفعاليات نوعية حملت رسائل وطنية وإنسانية وثقافية، من أبرزها ندوة «السياحة العلاجية ودورها في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين اليمن ومصر»، التي شهدت مشاركة واسعة من الجهات الطبية والسياحية والإعلامية، ولا تزال أصداؤها الإيجابية تتردد حتى اليوم في الأوساط المختلفة.

كما تميّز أداء السفير بحاح بنهجٍ قائم على التحديث والشفافية والفاعلية؛ إذ لم يتعامل مع موقعه كمهمة بروتوكولية، بل كمنبر وطني ومسؤولية تجاه أبناء اليمن في الخارج. وقد أسهمت رؤيته المتوازنة في إحياء روح التلاحم بين أفراد الجالية اليمنية في مصر، وأعادت الثقة بين المواطن ومؤسسات بلاده، مؤكدًا أن العمل الدبلوماسي الحقيقي يبدأ من خدمة الإنسان قبل أي مظاهر رسمية.

وأخيرًا، فإن مسيرة السفير خالد بحاح تؤكد أن اليمن لا تزال تملك كفاءات وطنية قادرة على البناء والإصلاح متى ما أُتيح لها المناخ المناسب. ولئن كان تغييره من موقعه في مرحلة حرجة قد أثار تساؤلات كثيرة، فإن التاريخ سيظل ينصف الرجال الذين قدّموا لوطنهم بإخلاصٍ وعملٍ وصمتٍ. وستبقى بصماته في القاهرة شاهدًا على دبلوماسية راقية ونهج وطني يعلي قيم الدولة والإنسان والاحترام المتبادل، وعلى نموذج لمسؤولٍ حمل فكر الدولة في زمن الانقسام، وعمل بصمت ليعيد الثقة بين الوطن وأبنائه.