نوفمبر: ألم أم أمل
كتبها: حسين السليماني الحنشي
يُعتبر 30 نوفمبر عيد الاستقلال من الاحتلال، حيث كانت البلاد تعاني من أسوأ أيامها تحت حكم الاستعمار. وعندما تحررت البلاد للاحتفال بهذا اليوم، بدأت الضغوطات الأولى بعد ولادتها، تحديدًا خلال السنة أو السنتين التاليتين. أصبح الاحتفال بهذا اليوم مجرد إهدار للوقت والموارد العامة في مسرحية تتكرر أدوارها عبر الأجيال... لم يعد الاحتفال يمثل نبض حياة جديدة.
كانت مدينة "عدن" في الجنوب، على سبيل المثال، تُعتبر زهرة المدائن في الجزيرة العربية. كان ميناؤها يزدهر، وتركها الاحتلال مليئة بكل ما يتمناه الناس. كانت عدن مدينة جميلة، حتى أصبحت أغنية يتغنى بها... "عدن عدن وياليت عدن مسير يوم"... وبدلاً من أن يتذكر الناس عدن الثورة والمشاريع التنموية الشاملة، أصبح الحديث السائد فيها: أين الماء؟ أين الكهرباء؟ أين الخطوط الجوية والبحرية؟ أين الأمن؟ أين المؤسسات؟ أين التعليم؟ أين الصحة؟ أين الصرف الصحي؟ أين التخطيط العمراني؟ أين الرواتب؟ أين... على لسان كل من يعيش في هذه البلاد. توفي الآباء والأمهات وهم يكافحون من أجل حياة أفضل، وحملوا السلاح وواجهوا الموت بصدور عارية لا تملك ما يمتلكه الاستعمار، من أجل مستقبل يعيش فيه الأبناء حياة كريمة.
تتجدد ذكرى 30 نوفمبر لأمل أكثر سعادة وراحة نفسية، لا كما هو الحال اليوم حيث أصبحت الذكرى ألمًا عميقًا لدى الشعب، خاصة لمن فقدوا أبناءهم في مسرح الخداع الذي يُعرض بوقاحة كل عام على جراحات الشعب. ويتجدد فيه الكذب والبهتان. إن 30 نوفمبر ذكرى كغيرها تمر علينا، ليس من أجل تجديد الروح وإعلان النتائج التي حققناها، بل لنستذكر تضحيات أجدادنا الذين واجهوا أنواع المعاناة والقهر لنعيش أحرارًا بكرامة.
ورغم أن الظروف التي مرت بها عدن ليست كالوضع الحالي، خاصة لعدن والجنوب بشكل عام، حيث نرى اليوم ألمًا يفقد الأمل في وطن تتنازعه الأطماع من قبل من لا يعرف قيمة الحياة ولا يدرك لماذا تأسست الدولة؟ ولماذا أقمنا الثورة؟ وسقط من أجلها الشهداء...
لقد فقد الاحتفال رمزيته بفقد المخلصين الأوفياء لشعوبهم. حتى لم نر في هذه الذكرى صور الشهداء أو نسمع صدى لهم في وطن امتلأ بصور من عاثوا فسادًا. لقد عصفت الرياح بالرايات التي كانت ترفرف فوق الجبال الشامخة، ولم نعد نرى المستقبل من خلال نوفمبر كما لم نره في أعياد الثورة التي أطاحت بها وجوه لم نعرفها...


