ثبتت دثينة حين ارتدت العرب

بقلم/ أبو زين ناصر الوليدي

كان معظم العرب قبل الإسلام يعبدون الأصنام ويسجدون للأحجار والأوثان إلا أن بعضهم كانوا أهل كتاب وبالأخص كانوا مسيحيين، فقد فشت المسيحية في أجزاء من بلاد العرب، وكانت المسيحية كثيرة في اليمن حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ حين أرسله إلى اليمن: إنك تأتي قوما أهل كتاب..)
 متفق عليه من حديث ابن عباس 
ولا يعني هذا أن أكثر اليمن مسيحية بل على العكس فقد كانت لهم أصنامهم الكثيرة ومنها ذو الخلصة الذي كانت تعبده قبيلة دوس وغيرها. 
أما منطقة دثينة فقد كانت بلاد مسيحية كما أكد ذلك أهلها لعكرمة ابن أبي جهل ومن معه..  
تاريخ ابن جرير(٣/ ٣٢٧) .
والقول بأن دثينة كانت على المسيحية يؤكده المؤرخ المصري عمر بن زين العابدين وكذلك الأب المسيحي المصري (سهيل قاشا) 
انظر كتاب( صفحات من تاريخ المسيحيين العرب قبل الإسلام) ص١٢٨ .

 *إسلام دثينة*

عندما فشا ذكر الإسلام في الجزيرة العربية سارع رجالات من دثينة بالسفر إلى المدينة المنورة ولقاء النبي صلى الله عليه وسلم وكان ذلك قبل فتح مكة فأسلموا وشاركوا في فتح مكة، وكان حامل راية دثينة يوم فتح مكة هو الصحابي أرطأة بن كعب النخعي رضي الله عنه. 
( طبقات ابن سعد : ١/ ٣٤٦) .
وفي السنة التاسعة للهجرة هبط معاذ بن جبل دثينة قادما من الشحر، 
فقد أخبر جابر النخعي عن خالته أم جهيش قالت : ( بينما نحن بدثينة... إذ قيل هذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافينا القرية..... ) إلخ 
سير الذهبي(١/ ٤٤٤) .
وقد ذكرت التابعية الجليلة أنيسة النخعية قدوم معاذ بن جبل ثم ذكرت خطبته فيهم فقالت: قال لنا معاذ: أنا رسول رسول الله إليكم.. صلوا خمسا وصوموا شهرا وحجوا البيت.. وكان عمره ٢٨ سنة. 
أسد الغابة(٧/ ٣٢) جامع المراسيل للعلائي ص٣١٨ .
ثم أخذ معاذ يعلم أهل دثينة الصلاة، كما روى ذلك الإمام ابن أبي شيبة في مصنفه حديث رقم ( ١٧٥٨)؛
 قال ابن أبي شيبة : حدثنا وكيع قال حدثنا محمد بن قيس عن علي بن مبارك أن معاذا... كان يعلم النخع فقال لهم: إذا رأيتموني صنعت شيئا في الصلاة فاصنعوا مثله، فلما سجد أضر بعينه غصن شجرة فكسره في الصلاة، فعمد كل رجل منهم إلى غصن في الصلاة فكسره، فلما صلى قال: إني إنما كسرته لأنه أضر بعيني حين سجدت، وقد أحسنتم فيما أطعتم. 
المصنف(٢/ ١١٧) .
وبعد هذا وفي السنة الحادية عشر للهجرة خرجت دثينة في وفد كبير يضم مائتي رجل من خيارها، حتى وصلوا المدينة فبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يعجب بهم ويدعو ويثني عليهم وعقد لهم رايات حضروا بها فتوح العراق والشام .

 *الردة*
مات النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أكمل الله به الدين وأتم به النعمة وتولى أبوبكر الصديق رضي الله عنه الخلافة من بعده، وفي لحظة صعبة من التاريخ أرتدت معظم القبائل العربية وظهر فيهم مدعو النبوة ولم يثبت على الإسلام إلا مكة والمدينة والطائف وجواثا وعدد قليل من قبائل العرب. 
فدعا أبوبكر الصديق العرب إلى الثبات ومواصلة المسيرة النبوية فكان من أول من لبى النداء عدد من أهل اليمن، فوصل إلى المدينة:  ألفان من النخع، وخمسة ألف من كندة وبجيلة، وثلاثة ألف من سائر الناس. 
ونهض الأسود العنسي الكذاب فارتد عن الإسلام وادعى النبؤة فنهضت معه قبائل من مذحج وغيرها فسيطر على قصر غمدان واتجه إلى السيطرة على بقية اليمن فدعا القبائل لمناصرته فاستجاب له من استجاب فرفضت دثينة دعوته في عدد من القبائل وتمسكوا بالإسلام واعتصموا به وصبروا وصابروا. 
الاكتفاء للكلاعي(٣/ ٦١) 
ويؤكد تمسك دثينة بالإسلام ورفضها الردة كل من:
المؤرخ أحمد بن عبد الله الرازي المتوفي سنة ٤٦٠ هج في كتابة تاريخ مدينة صنعاء ص١٨١ .
والثعالبي في الكشف والبيان( ٤/ ٧٨) 
والبغوي في تفسيره(٢/ ٤٦) .
وقد وصل إلى دثينة عدد من الصحابة أثناء حروب الردة قادمين من المهرة وحضرموت يقودهم عكرمة ابن أبي جهل رضي الله عنه في جمع كبير وهناك التقوا بأهل دثينة وأكد لهم أهل دثينة أنهم مستمسكون بالإسلام معتصمون بحبل الله تعالى فقالوا له : كنا في الجاهلية أصحاب دين لا نتعاطى ما يتعاطاه العرب، فكيف بنا وقد صرنا إلى دين عرفنا فضله ودخلنا حبة. 
ابن جرير(٣/ ٣٢٧) .
عادت العرب إلى الإسلام بعد عام كامل من الحروب واستقرت الأمور فدفع ابوبكر الصديق الناس لنشر الإسلام والزحف على إمبراطوريتي فارس والروم، فخرجت العرب تحت راياتها تغزو العراق والشام رافعين كلمة التوحيد وكان لأهل دثينة الحضور في كل معركة سواء كانت القادسية او اليرموك او نهاوند أو تستر وغيرها وانساح أبناء دثينة في الأرض ولا تزال قبور شهدائهم شاهدة عليهم في مشارق الأرض ومغاربها ولا تزال الكتب تسطر أخبار فاتحيهم وفرسانهم وقادتهم وولاتهم وعلمائهم وقضاتهم ومحدثيهم بسطور من نور. 

وإلى الله تصير الأمور 
ولله الأمر من قبل ومن بعد 
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.