عدت يا أكتوبر العزة، بأية حال عدت يا أكتوبر؟!
في عشية يوم النصر المجيد، وفي عشية أكتوبر المجيد، وأنا أتمثل بأبيات من شعر نابغة عصره أبي الطيب المتنبي، وهو يتذكر العيد مع من يحب، وهو سيف الدولة الحمداني، وقد كان بعيداً عنه في مصر عند العبد كافور الاخشيدي حاكم مصر آنذاك، ويقول:
عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ...
بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ...
أَمّا الأَحِبَّةُ فَالبَيداءُ دونَهُمُ
فَلَيتَ دونَكَ بيداً دونَها بيدُ..
وهأنا أقولها اليوم، وعلى قافية أبي الطيب المتنبي:
أكتوبر بأيه حال عدت يا أكتوبر..
بما مضى أم بأمر فيك تجديد...
أَمّا الأَحِبَّةُ فَالبَيداءُ دونَهُمُ
فَلَيتَ دونَكَ بيداً دونَها بيدُ..
أين هم ثوار أكتوبر المجيد، ليتهم يرون ما وصل إليه حالنا اليوم، ليتهم، يرون وضعنا المسأوي، لقد اهتان فيه العزيز، وتم تكريم الذليل، لقد جاع الشعب بجرعات تلو الجرعات، انهيار تام للعملة، وفقر وحاجة، لقد تبدلت الأحوال، وتغيرت المواقف، وأصبح كل شيء مقلوباً رأساً على عقب.
على غفلة، وجدت نفسي وحيداً أسرح بمخيلتي إلى شوارع صنعاء العاصمة السياسية للجمهورية اليمنية، التي أصبحت منطقة عسكرية مغلقة، وأصبحت النقاط الأمنية فيها أكثر انتشاراً من إشارات المرور الموجودة على قارعة الطرق الرئيسية، بما فيها الحارات والأزقة الفرعية في الأحياء السكنية، وفيما أنا أجول بخاطري نحو الأمن والطمأنينة التي كانت تتمتع بها صنعاء، ولم يكن الوضع في عدن بأحسن حال من صنعاء، عدن مدينة السلام، والأمن والحب والاستقرار، عدن منارة العلم، وقبلة المحبين، عندها تمثل بقول الشاعر الألمعي بصير اليمن وليس بكفيف، عبدالله البرادوني، وهو خارج الوطن في العام 1971 في مدينة الموصل العراقية، فكان رده:
(حبيب) وافيتُ من صنعاء يحملني ...
نسر وخلف ضلوعي يلهث العربُ...
ماذا أُحدث عن صنعاء يا أبتي...
مليحة عاشقاها السل والجربُ...
ماتت بصندوق وضاح بلا ثمن...
ولم يمت في حشاها العشق والطربُ...
كانت تراقب صبح البعث فانبعثت ...
في الحلم ثم ارتمت تغفو وترتقبُ...
لكنها رغم بخل الغيث ما برحت ...
حبلى وفي بطنها "قحطان" أو "كربُ"
وفي أسى مقلتيها يغتلي يمنٌ ...
ثانٍ كحلم الصبا… ينأى ويقتربُ...
وهكذا الوضع في عدن، لكن ننتظر أن ينبعث منها، من جبال ردفان لبوزة جديد، أو من أبين من جبال فحمان فارس عتيد يحمل الشهبا، أو من شبوة من جبال حبان على فرسٍ يرفع النصر، أو من حضرموت كي يعيد المجدا.
أكتوبر عذراً لقد عدت والجراح اثخنت هذا الوطن الجريح، أكتوبر عذراً لقد عدت والشعب ليس الشعب الأول، أكتوبر عذراً لقد عدت والأحوال تبدلت، فهل يا ترى يرجع المجيد السابق، ينبثق الفجر صبحا؟!
دمتم يا أكتوبر المجيد ما دامت الأرواح في الجسدا...
*ودمتم سالمين*