الحكم الذاتي لحضرموت .. بين السياسة والقانون 

الحكم الذاتي هو صيغة سياسية وقانونية ، وبالغوص في مفهومه  في القانون الدولي العام يمكن تعريفه بـ :(أن يحكم الإقليم نفسه، في إطار الدولة الواحدة)، ويقصد به أيضاً أنه صيغة قانونية لمفهوم سياسي يتضمن منح نوع من الاستقلال الذاتي للأقاليم ( المحافظات أو المقاطعات ) ، لأنها أصبحت من الوجهتين السياسية والاقتصادية جديرة بأن تقف وحدها مع ممارسة الدولة ذات السيادة عليها ، فهو من وجهة نظر القانون الدستوري يعني أن يمارس شعب ما إدارة شؤونه الذاتية على إقليمه ( المحافظة أو المقاطعة ) ، في ظل الدولة المركزية ،أو الاتحادية (الفيدرالية)، التي تتمتع بالسيادة والشخصية الدولية الواحدة . 

لذا فالحكم الذاتي المطالب به من قبل حلف قبائل حضرموت ومؤتمر حضرموت الجامع من خلال البيان الصادر عن اجتماع رئاسة الحلف الإثنين 27 اكتوبر 2024م في منطقة العليب بهضبة حضرموت بشأن تحقيق الحكم الذاتي لحضرموت،  لم يكن قرارا عاطفيا بل نابعا من فهم وادراك للقانون الدولي ، وتجسيدا لمبدأ إن نظام  الحكم الذاتي هو نظام قانوني وسياسي يرتكز على ضمانات القانون الدستوري والقانون الدولي ، الذي يعترف لإقليم او محافظة او مقاطعة معينة داخل الدولة بالاستقلال في إدارة شؤونها الداخلية تحت إشراف ورقابة السلطة المركزية. 

يدرك الحضارم بمشاربهم الفكرية والسياسية كافة ، ويقف في مقدمة صفوفهم مؤتمر حضرموت الجامع أن هناك ثمة مشاريع سياسية حضرمية ثانوية تحصر نفسها عند انشائها في دائرة ضيقة ومحدودة الأفق ، لكن عند الحديث عن  المشروعات السياسية الرائدة ذات الأفق الواسع المتعدد الأبعاد فإنها تثير تحديات مصيرية أمام القوى والمكونات المنخرطة في أتون العمل السياسي، ولعله من الطبيعي أن يثير مشروع رائد بمستوى تحقيق الحكم الذاتي لحضرموت ، الذي حرك المياه الراكدة للعمل السياسي في حضرموت ، من خلال ابرازه للسطح مجموعة من التحديات في صفوف بعض القوى المناهضة لرؤيته وأهدافه، سواء بحكم تهديده لمصالحها، او تحديه لفكرها ورؤيتها السياسية التي تأخذ بها ، أو سلوكها السياسي الذي تمارسه، أو حتى طقوسها التنظيمية التي تلتزم بها ، فهذا النهج وهذا التوجه للحكم الذاتي في حضرموت لم يكن وليد اليوم ، وإنما امتدادا لحضارة حضرموت الضاربة في جذور التاريخ فكانت دولة  تعاصر كلًّا من حمير وسبأ وقتبان ، واتسمت بالسلم ومد جسور العلاقات الودية الحضارية والاقتصادية والسياسية مع محيطها على قواعد مشتركة من التعايش والأخاء والسلام. 

وتواصلا لهذا الإرث ومن خلال ما عانته وتعانيه حضرموت من ازمات متراكمة من تدهور البنية التحتية في القطاعات الحيوية كافة ، وممارسة سياسة التهميش والاقصاء ونهب الثروات النفطية والمعدنية وغياب العدالة ، ومع تنامي الالتفاف الجماهيري الكبير وتصاعد وتيرة الحراك الشعبي الواسع في حضرموت الذي يصنعه أبنائها بكل فئاتهم القبلية والمجتمعية والمدنية والفكرية والثقافية،  وعلى امتداد الأرض الحضرمية بحواضرها وباديتها ساحلا وواديا وهضبة وصحراء ، الذي انتجه الواقع المرير والبائس الذي شمل جميع المجالات الإدارية والخدمية والمعيشية ، وهذا ما دعا لتحقيق الحكم الذاتي لحضرموت كاستحقاق حضرمي قانوني لترسيخ العدالة، ونيل الحقوق الحضرمية المشروعة والمستحقة، وحل المشاكل التي يعاني منها المواطن في حضرموت منذ عقود خلت ، وهو تجسيد عملي لاهداف التصعيد ولما ورد في البيانات التي صدرت عن مؤتمر حضرموت الجامع وحلف قبائل حضرموت  منذ 13 يوليو 2024 م الى اليوم ، والتي تعبر عن حقوق واستحقاقات حضرموت ارضا وانسانا ، وان استمرار الوضع الحالي للحرب والصراع في اليمن كان الدافع في السير لتحقيق الحكم الذاتي لحضرموت ،باعتباره حلا جديا وموثوقا وواقعيا ،وهو الكفيل بمعالجة هذا التدهور الاقتصادي وازدياد المعاناة الانسانية ووقف التهميش والاقصاء ونهب الثروات ، وتحقيق تطلعات حضرموت وابنائها في مستقبل ينعمون فيه بالكرامة والعدالة الاجتماعية والحقوق السياسية والاقتصادية على أرضهم وثرواتهم ، والانطلاق نحو ارساء مداميك البناء والتنمية في حضرموت . 

ومما سبق الحديث فأن دعم المجتمع الدولي والاقليمي وتجاوب مجلس القيادة الرئاسي والحكومة الشرعية للتوجه لتحقيق الحكم الذاتي لحضرموت مهم ، ويمثل علامة فارقة في بدء التوجه الجاد لمعالجة الوضع والحرب في اليمن التي طال أمدها ، وهذا يتطلب من القوى الدولية والاقليمية والمحلية التعامل بواقعية سياسية بعيدا عن حسابات الغرف المغلقة ، وادراك اهمية وواقعية مطالب الحضارم المشروعة ، والتي هبوا وانطلقوا بسفينتهم وهم على استعداد لمواجهة الصعاب لضمان رسوها لبر الامان ، والانطلاق بها نحو ارساء مداميك البناء والتنمية وتحقيق العدالة وارساء قواعد الحكم الرشيد ، كمنوذج يحتذى به وبما يؤدي في نهاية المطاف إلى حل شامل وسلام عادل ومستدام في اليمن.