تحذير المبعوث الأممي من تداعيات التدابير العقابية على قطاع المصارف في صنعاء

تحذير المبعوث الأممي من تداعيات التدابير العقابية على قطاع المصارف في صنعاء

(أبين الآن) متابعات

يرفض المبعوث الأممي هانس غروندبرغ التدابير العقابية التي تهدد قطاع المصارف في صنعاء، محذرًا من آثارها المدمرة على الاقتصاد اليمني. وخلال إحاطته لمجلس الأمن، شدد غروندبرغ على أن عزل المصارف سيؤدي إلى شلل واردات السلع الأساسية والحوالات المالية، ما سيعزز الانقسامات ويهدد بتصعيد عسكري.

وحث غروندبرغ جميع الأطراف المعنية على الامتناع عن المزيد من التصعيد والتوجه نحو حوار مباشر تحت رعاية الأمم المتحدة، معربًا عن قلقه من عودة الأطراف إلى اتخاذ إجراءات تهدف إلى تعزيز مواقفها على حساب الشعب اليمني.

وأشار غروندبرغ إلى تصاعد الوضع العسكري في بعض الجبهات، محذرًا من أنه قد ينذر بعودة شاملة إلى الحرب. كما انتقد الخطاب التصعيدي والتدابير التصعيدية التي تتخذها جميع الأطراف، مؤكدًا أن الوضع الإقليمي خارج عن سيطرة اليمنيين، مما يعرقل التقدم نحو تحقيق السلام.

إلا أن غروندبرغ أبدى تفاؤله ببعض التطورات الإيجابية، بما في ذلك فتح طرق جديدة في مأرب وتعز وإطلاق سراح محتجزين. وأكد أنه سيواصل العمل على جمع الأطراف لمناقشة القضايا العاجلة دون شروط مسبقة، وكذلك المطالبة بالإفراج الفوري عن موظفي الأمم المتحدة المحتجزين.

نص الإحاطة كاملة :

إحاطة المبعوث الخاص هانس غروندبرغ لمجلس الأمن للأمم المتحدة

الجلسة المفتوحة

شكرًا، السيد الرئيس، اسمح لي بدايةً أن أعبِّر عن أصدق أمنياتي لجميع المسلمين حول العالم بمناسبة عيد الأضحى المبارك. السيد الرئيس، أقدم لكم إحاطتي اليوم في ظل ظروف مقلقة للغاية. فقبل أن أتطرق إلى التصعيد الاقتصادي وهشاشة الوضع العسكري والتضييق على مساحة الوساطة، وقبل أن أوضح الجهود التي يبذلها مكتبي لحماية المسار نحو وقف إطلاق للنار وعملية سياسية في اليمن، يتحتم عَليَّ أن أوجه انتباهكم إلى الحملة القمعية التي تشنها جماعة أنصار الله ضد المجتمع المدني اليمني والمنظمات غير الحكومية والأمم المتحدة. 

في الأسبوع الماضي، تم احتجاز 13 موظفًا من الأمم المتحدة، بمن فيهم أحد زملائي في صنعاء، بالإضافة إلى خمسة موظفين من العاملين في المنظمات غير الحكومية الدولية والعديد من موظفي المنظمات المحلية غير الحكومية والمجتمع المدني الوطنيين، بشكل تعسفي على يد جماعة أنصار الله، وما زالوا حتى الآن رهن الاحتجاز دون القدرة على التواصل مع العالم الخارجي. بالإضافة إلى ذلك، هناك أربعة موظفين من مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) لازالوا قيد الاحتجاز دون تواصل مع العالم الخارجي منذ عامي 2021 و2023. أدعو جماعة أنصار الله إلى احترام حقوق اليمنيين بموجب القانون الدولي وإطلاق سراح جميع موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية على الفور دون شروط والامتناع عن ممارسة الاحتجاز التعسفي للمدنيين، فالأمم المتحدة حاضرة لخدمة اليمنيين، ومثل هذه الاحتجازات التعسفية ليست إشارة متوقعة من جهة تسعى إلى حل للنِّزاع عبر الوساطة. 

إضافة إلى ذلك، إنني قلق إزاء الأحكام التي أصدرتها المحكمة الجنائية الخاضعة لسيطرة أنصار الله في 1 حزيران/يونيو بإعدام ٤٥ فردًا. وأود أن أكرر دعوات الأمم المتحدة لتعليق عقوبة الإعدام في القانون وفي الممارسة في كل مكان في العالم. 

السيد الرئيس، لقد واصلت جهودي الهادفة للتوصل إلى وقف إطلاق للنَّار وعملية سياسية جامعة تتيح للأطراف المتحاربة حل خلافاتها بالسبل السلمية، إلا أنَّه منذ كانون الأول/ديسمبر الماضي عندما وافقت الأطراف على تنفيذ مجموعة من الالتزامات ضمن إطار خارطة طريق أممية، كان للوضع في المنطقة أثر كبير في تعقيد هذه العملية. ومنذ بدء التصعيد في البحر الأحمر، سعيت لضمان ألّا يحيد التركيز عن الهدف الرئيسي وهو الحل السلمي للنِّزاع في اليمن. إلا أنه بدلاً من إحراز تقدم ملموس لصون التزاماتها واستكمال خارطة الطريق، عادت الأطراف إلى المعادلات ذات المحصلة الصفرية، وبدلاً من وضع أولويات الشعب اليمني أولاً، لجأت الأطراف إلى اتخاذ تدابير تعتقد أنها تعزز مواقفها، مما يعرض قابلية تنفيذ الالتزامات التي تم التعهد بها مسبقًا للخطر.

تتجلى عقلية المحصلة الصفرية بشكل واضح في الاقتصاد. فقد انكمش الاقتصاد بشكل حاد في أعقاب هجوم أنصار الله على منشآت تصدير النفط في تشرين الأول/أكتوبر 2022، مما أدى إلى توقف كامل لتصدير النفط الخام، وأثر بشدة على دخل الحكومة اليمنية. في القطاع المصرفي، كان وضع دولة واحدة مع سلطتين نقديتين متنافستين وعملتين مختلفتين غير مستدام بالفعل، لكنه أصبح أكثر تعقيدًا بسبب سلسلة من الإجراءات التصعيدية. كان إعلان أنصار الله في مارس/آذار الماضي عن طرح عملتها المعدنية من فئة مائة ريال للتداول لمعالجة تحلل الأوراق النقدية من نفس الفئة بمثابة تحدي للسلطة النقدية للبنك المركزي اليمني، الذي رد بدوره في نيسان/أبريل بمطالبة جميع المصارف بنقل مقراتها الرئيسية من صنعاء إلى عدن وأعلن عن تدابير عقابية بحق المصارف الرافضة للامتثال. ردًا على ذلك، قام فرع البنك المركزي الذي يخضع لسيطرة جماعة أنصار الله بحظر جميع المصارف التي تقع مقراتها الرئيسية في عدن ومنعها من العمل في مناطق سيطرتها. 

إذا تم عزل المصارف في صنعاء عن المعاملات المالية الدولية بموجب التدابير العقابية، فسوف يكون الأثر كارثيًا على الاقتصاد، وستقدم السيدة إيديم ووسورنو من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية تفاصيل أكثر حول هذا الموضوع. فسيؤدي ذلك إلى تعطيل واردات السلع الأساسية بما فيها الغذاء والدواء، والحوالات المالية عبر المصارف. بشكل عام، ستزيد هذه التطورات من تعميق الانقسامات والتشظي في القطاع المصرفي وتفتح في الوقت نفسه المجال لتصعيد عسكري محتمل. 

ومن أجل تجنب هذا السيناريو، عقد مكتبي اجتماعات مكثفة في الرياض وعدن وصنعاء لمناقشة مقترحات ملموسة لحل هذه الأزمة. وقد قمت في سياق هذه الجهود بتحرير رسالة لفخامة الدكتور رشاد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، وللسيد مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي الأعلى، في 1 حزيران/يونيو، أحثهما على الامتناع عن انتهاج مزيد من التصعيد وأدعوهما للحوار دون شروط مسبَّقة تحت رعاية الأمم المتحدة، لكنني لم أحصل على رد إيجابي حتى الآن. إن اجتماع الأطراف وجهًا لوجه مباشرةً لمناقشة هذه القضايا هو أمر تفوق أهميته قدرتي على التأكيد. وأحث المعنيين الإقليميين والدوليين من ذوي القوة والتأثير على أن يضعوا كل ثقلهم من أجل عقد هذه المحادثات المباشرة بين الأطراف.

السيد الرئيس، باستثناء بعض الأحداث العَرَضِيَّة، ما زال الوضع العسكري على الجبهات مستقرًا بشكل نسبي منذ هدنة نيسان/أبريل 2022. وبفضل التعاون المستمر بين الأطراف ومكتبي من خلال لجنة التنسيق العسكري، نستقبل تقارير الحوادث العسكرية باستمرار. تلك العلاقات وخطوط الاتصال التي أسستها الهدنة لا تزال فعالة، مما يساعد في منع الانتكاس إلى عنف أوسع نطاقًا. 

لكنَّ الوضع العسكري ليس مستدامًا. وإذا استمرت الأطراف في انتهاج المسار التصعيدي الحالي، فإن السؤال ليس ما إذا كانت الأطراف ستعود إلى التصعيد في ساحة المعركة، بل متى. وكما حذرت سابقًا، فقد شهدت الأشهر الماضية زيادة تدريجية للقتال بما في ذلك ما أفادت به التقارير الشهر الماضي من اشتباكات في الضالع ولحج ومأرب وتعز واستمرار تهديد جميع الأطراف بالعودة إلى الحرب. 

في الوقت نفسه، لم يتم حل الوضع في البحر الأحمر. ورفعت جماعة أنصار الله مستوى محاولاتها لضرب السفن التجارية والعسكرية مما أدى إلى إلحاق أضرار بعدة سفن تجارية خلال الفترة التي تغطيها الإحاطة. بدوره، واصل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ضرباته الجوية على المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة أنصار الله في الحديدة وصنعاء وتعز. 

السيد الرئيس، من المحبط أن الوضع الإقليمي الخارج عن سيطرتنا قد طغى على إحراز التقدم الذي يحتاجه اليمنيون بشدة. وأنا قلق أيضًا من الخطاب التصعيدي والتدابير التصعيدية التي تتخذها جميع الأطراف. لكنني مازلت متحليًا بالأمل رغم كل شيء، فقد شهدنا بعض التطورات الإيجابية. فقد شهدنا هذا الأسبوع افتتاح طريقين إضافيين: الأول يربط مدينة مأرب بصنعاء عبر مديرية الجوبة، والثاني بين مدينة تعز ومنطقة الحوبان المجاورة مما أتاح لأول مرة منذ أكثر من تسع سنوات للمدنيين القدرة على التحرك عبر خطوط التماس التي كانت تمر عبر المدينة. وقد تحقق هذا بفضل التنسيق الوثيق بين الطرفين وجهود الوساطة المحلية الدؤوبة. وهذه خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح لمدينة تعز، وآمل أن تؤدي إلى فتح طرق إضافية في تعز ومأرب وأماكن أخرى. كما أن هذا التطور يذكرنا جميعًا بقوة الوساطة والتفاوض. وأذكر أيضًا إطلاق سراح 113 محتجزًا من جانب واحد من قبل أنصار الله، وأحث الأطراف على مواصلة العمل نحو تحقيق مزيد من عمليات الإفراج عن المحتجزين تحت رعاية مكتبي بالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

السيد الرئيس، فوق كل شيء، لازلت مصممًا على العمل من أجل جمع الأطراف للقاء دون شروط مسبَّقة لمناقشة القضايا المباشرة أمامهم سواء كانت تتعلق بالاقتصاد أو إطلاق سراح المحتجزين على خلفية النزاع أو فتح مزيد من الطرق وصولاً إلى الانتهاء من وضع خارطة الطريق. لكنني أبقى مصممًا أيضًا على مواصلة العمل دون هوادة جنبًا إلى جنب مع كامل أسرة الأمم المتحدة للإفراج عن موظفينا. وأكرر هنا مطالبة الأمين العام بإطلاق سراحهم فورًا دون شروط، وسوف أستمر بالعمل من خلال كل القنوات المتاحة لتحقيق هذه الغاية. 

السيد الرئيس، أحث هذا المجلس على تقديم كامل الدعم لجميع هذه الجهود. شكرا جزيلا لكم.