الجنوب.. بين واقع مرفوض ومستقبل مأمول

منذ سنوات، والجنوب العربي يعيش واقعًا مريرًا لا يرضى به أحد من أبنائه الشرفاء، واقعًا تحكمه منظومة متشابكة من الفساد والشللية التي أرهقت كاهل الشعب، وأعاقت مسيرة النهوض والتنمية التي يطمح إليها كل جنوبي حر ؛ هذا الوضع القائم لم يكن يومًا انعكاسًا لإرادة الشعب، بل فرضته عوامل متعددة، بعضها داخلي نابع من سوء الإدارة والفساد المستشري، وبعضها خارجي بسبب التدخلات التي لم تراعِ المصالح الحقيقية للجنوب وأبنائه.  

لقد آن الأوان لأن يصطف جميع أبناء الجنوب الشرفاء صفًا واحدًا لمواجهة هذا الواقع المرفوض، والوقوف بحزم ضد كل ما يعيق تطلعات الجنوب نحو التغيير والإصلاح، الجنوب، بتاريخ نضاله الطويل وشعبه الحر وثرواته الهائلة، يستحق أن يكون في مكانة أفضل بكثير من الوضع الراهن. 

إن مسيرة الإصلاح تبدأ بإعادة الاعتبار للكفاءات الجنوبية التي تم تهميشها أو إقصاؤها لسنوات طويلة. الجنوب غني برجاله المخضرمين وكوادره التي أثبتت كفاءتها في إدارة الأزمات وقيادة المراحل الصعبة. من بين هذه القيادات، يبرز اسم المهندس حيدر أبوبكر العطاس، القيادي الجنوبي البارز، الذي كان له دور كبير في خدمة الجنوب وإرساء أسس الدولة خلال فترات تاريخية مفصلية. إلى جانبه، يبرز أيضًا عبدالعزيز المفلحي، رجل الاقتصاد الأول في الجنوب، الذي حمل رؤية اقتصادية طموحة يمكن أن تضع الجنوب على طريق الازدهار والنمو المستدام.  

إن إعادة هذه القيادات إلى المشهد الجنوبي، ودعمها بالكفاءات الشابة التي تحمل تطلعات المستقبل، هو المفتاح الحقيقي لإحداث التغيير المنشود، فالتغيير لا يمكن أن يتحقق إلا بتكاتف الجميع، وإعلاء المصلحة الوطنية فوق أي اعتبارات أخرى.   

لا يمكن الحديث عن الجنوب دون التطرق إلى ثرواته الهائلة التي تجعله واحدًا من أغنى المناطق في المنطقة. من النفط والغاز إلى الثروات البحرية والزراعية، يمتلك الجنوب مقومات اقتصادية هائلة تؤهله ليكون نموذجًا للتنمية والازدهار، لكن هذه الثروات ظلت لعقود طويلة عرضة للاستنزاف والنهب، دون أن تنعكس على حياة المواطنين الذين يعانون من الفقر والبطالة وتدهور الخدمات الأساسية.  

شعب الجنوب، الذي لطالما كان طموحًا ومحبًا للحياة، يستحق أن يعيش في واقع أفضل، وأن يلمس أثر ثرواته في تحسين مستوى معيشته، وتحقيق التنمية المستدامة لمناطقه ومدنه.   

لا يمكن الحديث عن الجنوب دون الإشارة إلى دوره المحوري في المنطقة، خاصة في إطار التحالف العربي. لقد كان الجنوب ولا يزال الحليف الأكثر وفاءً لدول التحالف في مواجهة التحديات التي تهدد أمن واستقرار المنطقة، وعلى رأسها المد الشيعي الإيراني الذي يسعى إلى زعزعة استقرار المنطقة بأكملها.  

لقد قدّم الجنوب تضحيات جسيمة في سبيل وقف هذا المد الفارسي، ضحّى بالغالي والنفيس، وقدم كوكبة من الشهداء والجرحى والمعتقلين، واضعًا مصلحة الأمة العربية والإسلامية فوق كل اعتبار، هذه التضحيات تستوجب من دول التحالف العربي، وأصحاب القرار الإقليميين والدوليين، الوقوف إلى جانب الجنوب ونصرته في قضيته العادلة.  

إن القضية الجنوبية ليست مجرد قضية محلية، بل هي قضية شرعية معترف بها من قبل العالم، ومرتبطة بأمن واستقرار المنطقة برمتها. دعم الجنوب اليوم هو استثمار في مستقبل آمن ومستقر للمنطقة، خاصة في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية التي تتطلب تحالفات قوية ومتماسكة.    

إن إصلاح الواقع الراهن في الجنوب ليس مهمة سهلة، لكنه ليس مستحيلًا. الطريق إلى التغيير يبدأ من وحدة الصف، والاتفاق على رؤية وطنية شاملة تعيد ترتيب الأولويات، وتضع مصلحة الجنوب وأبنائه فوق كل اعتبار.  

الجنوب، بثرواته وشعبه وموقعه الاستراتيجي، قادر على أن يكون نموذجًا يحتذى به في التنمية والاستقرار، إذا ما توفرت الإرادة السياسية والإدارة الحكيمة.  

على دول التحالف والمجتمع الدولي أن يدركوا أن الجنوب هو الحليف الأقرب والأكثر وفاءً، وأن دعمه في هذه المرحلة الحرجة هو ضرورة ملحة، ليس فقط من أجل الجنوب، بل من أجل استقرار المنطقة بأسرها.  

 إن أبناء الجنوب اليوم أمام مسؤولية تاريخية تتمثل في الوقوف صفًا واحدًا ضد الواقع المرفوض، والعمل معًا من أجل بناء مستقبل مشرق يليق بتضحياتهم وطموحاتهم. الجنوب يستحق الأفضل، وشعبه قادر على تحقيق ذلك، إذا ما توحدت الجهود، وتم تفعيل إرادة التغيير والإصلاح.  

الجنوب سيظل شامخًا، وسيعود إلى مكانته التي يستحقها بين الأمم.