عيد الاستقلال أم عيد الاستغلال؟
بينما الجميع منشغل بتعليق الأعلام والتهاني والاحتفال بعيد الاستقلال المجيد، أجلس في ركن مظلم متسائلًا: عن أي استقلال نتحدث؟
عن تلك الحرية الوهمية التي تبخرت بمجرد أن انتهى الاحتلال البريطاني ليحل محله احتلال أشد ضراوة وأكثر خبثًا؟
أم عن الوطن الذي يعيش فيه المواطن الجنوبي أسوأ أيام حياته؟
الاقتصاد.. انهيار على رؤوس الجميع:
السوق تحول إلى غابة، حيث البقاء للأقوى، أو الأدق، للأغنى. كل تاجر يسعر بضاعته كما يحلو له، والرقابة غائبة كأنها في إجازة أبدية.
أما المواطن، فمصيره إما أن يشتري المواد الفاسدة التي تسربها الضمائر الميتة إلى الأسواق أو أن يموت جوعًا.
شهداء وجروح تُركت للنسيان:
هل يحتفل أهالي الشهداء أيضًا؟
بالطبع لا، فهم لم يجدوا سوى الإهمال والنسيان. أما الجرحى، فيعيشون في انتظار علاج لن يأتي أبدًا، وكأنهم لم يضحوا بشيء لأجل هذا الوطن. يبدو أن الاستقلال يعني ترك الأبطال خلفنا بينما نغني للأوهام.
الصحة... كوميديا سوداء:
ننتقل إلى المستشفيات، التي أصبحت أماكن لتبادل الأدوار الكوميدية...هنا، نجد مساعد تخدير يصف الدواء، وهناك قابلة تتولى مهام الطبيب، بينما فني مختبرات تحول إلى ورش عمل للمتدربين...وإذا أضفنا المستوصفات الخاصة التي تتفنن في استغلال المرضى، تكتمل الصورة الكئيبة.
الاحتلال الشمالي...الحرية المزيفة:
أما إذا أردنا التحدث عن الاستقلال الحقيقي، فلا يمكننا أن نتجاهل الاحتلال الشمالي الذي مارس ويمارس لحد اليوم جميع أنواع القهر والاضطهاد ضد الجنوبيين... إنه احتلال لا يحتاج إلى دبابات أو جنود، بل يعتمد على إذلال المواطن وسرقة مقدراته حتى آخر رمق.
لن أحتفل.. وسأنتظر يومًا أفضل:
بينما تملأ الضحكات والرقصات الشوارع، أرفض أن أكون جزءًا من هذا المشهد... لن أحتفل بعيد استقلال لم يجلب لنا سوى الوهم... يومًا ما، عندما تتحقق العدالة، عندما تكرم الشهداء، عندما نجد رقابة تمنع الغش، وعندما نرى جنوبنا محررًا بحق، سأكون أول من يحتفل. وحتى ذلك الحين، دعوني أراقب المشهد من بعيد وأتأمل هذا "الاستقلال" الذي يشبه الاستغلال أكثر مما يشبه الحرية.