حضرموت والمهرة ترفضان عودة مصانع طحن الأسماك المضرة بالثروة السمكية والبيئة
لم يلقى قرارا حكوميا يمنيا ارتياحا شعبيا واسعا، وعلى مستوى القطاعات المهنية السمكية والتجارية على حد سواء، مثلما لاقاه القرار الوزاري رقم (23) لعام 2024م، بشأن منع إقامة أو إنشاء أية مصانع خاصة لطحن الأسماك، وتوقيف مصانع الطحن الموجودة في محافظتي حضرموت والمهرة، وتنظيم تصدير منتجات مسحوق وزيت الأسماك الناتجة عن هذه المصانع قبل صدور هذا القرار، الذي أصدره وزير الزراعة والري والثروة السمكية، اللواء سالم عبدالله السقطري.
اذ انعكس هذا القرار سريعا بشكل ايجابي على عدة مستويات، منها انه ساهم في الحد من أسعار الأسماك، في الأسواق المحلية، بعد أن بلغت مستويات عالية جدا، عجز بسببها المواطنون عن شراء الأسماك، حتى في المدن والمناطق الساحلية، المشهورة سواحلها بوفرة الأسماك، الى جانب ان القرار مثل خطوة صحيحة وضرورية، للحفاظ على الثروة السمكية، التي تتعرض للعبث والتدمير، كما انه اجراء عملي للحفاظ على البيئة، التي تضررت كثيرا بفعل العمل غير القانوني لمصانع طحن الأسماك.
أمام تلك الآثار الايجابية لقرار وزير الزراعة والثروة السمكية، وانعكاسه على حياة المواطنين وعلى سلامة البيئة، تحركت لوبيات العبث والتجارة السوداء، الذين لا يأبهون لمصلحة المواطن ولا لمصلحة البلد، محاولين تعطيل قرار وقف مصانع الطحن، وبالفعل تمكنوا في 24 نوفمبر 2024، من دفع رئيس الوزراء أحمد بن مبارك، الى اصدار توجيهات بوقف العمل بقرار وزير الزراعة والثروة السمكية، دون اعتبار من بن مبارك لايجابيات القرار، ولا لانعكاساته الايجابية المباشرة على حياة المواطنين والبيئة البحرية.
ولأن قرار رئيس الوزراء لا يستند لأي حيثيات منطقية، وايضا كونه لا يراعي مصلحة المواطنين والمصلحة العامة، كان لا بد من رفضه وعدم تنفيذه، خاصة من قبل السلطتين المحليتين في حضرموت والمهرة، كونهما المحافظتين المتضررتين من هذه المصانع، وأبلغت سلطة حضرموت قرارها بالرفض لرئيس الوزراء مباشرة، من خلال مذكرة وجهتها له في 28 نوفمبر 2024.
واستندت السلطة المحلية بحضرموت، في رفضها لقرار عودة مصانع طحن الاسماك للعمل في المحافظة، الى عدة أسباب منطقية وقانونية، مع تأكيدها على ما أقرته اللجنة المشكلة من قبل رئيس الوزراء، بشأن الوقوف على مشكلة مصانع طحن الأسماك، التي أوصت في محضر اجتماعها في 11 سبتمبر 2024، بعدة توصيات، منها استمرار وقف عمل مصانع الطحن، حفاظا على الثروة السمكية، وايقاف تراخيص المصانع المرخصة التي لم تبدأ العمل بعد، الى جانب دراسة الأثر البيئي، وتقييم الوضع الحالي للمصانع، ومدى التزام هذه المصانع بالشروط والمعايير المطلوبة.
بأن الحديث عن الضوابط والمعايير لأي عمل، يجب أن تكون استباقية، وليس بشكل لاحق، كما يريده رئيس الوزراء، الذي يدعو لاعادة عمل مصانع الطحن، ومن ثم وضع تلك المعايير والشروط، فالاجراء الصحيح هو أن توضع المعايير والشروط أولا، ومن ثم يتم التقدم بطلبات اقامة المصانع، حيث ستخضع لتلك المعايير والشروط للحصول على التراخيص، ما يعني الغاء التراخيص التي منحت لمصانع الطحن، وتشكيل لجنة مختصة لوضع المعايير والشروط، ومن ثم تقدم طلبات الراغبين في اقامة مصانع.
وترى السلطة المحلية بحضرموت، ان المصانع المتخصصة في المجال السمكي، هي عبارة عن مشاريع انتاجية سمكية متكاملة، وان عملية الطحن، ماهي الا وحدة واحدة ضمن هذا المشروع، تخصصه طحن مخلفات الأسماك، وليس طحن الأسماك كما كان يحدث من قبل هذه المصانع، التي لا توجد لديها أي وحدات للانتاج السمكي، ما يعني انها لا تنتج شئ غير الطحن فقط، دون أن يوجد لديها أي انتاج للطحن، انما تستنفذ الثروة السمكية في هذا المجال، مع العلم، انه لا توجد تراخيص لمصانع استثمارية خاصة بالطحن، وهذا غير معقول أصلا، انما يجب أن تكون التصاريح لمشاريع للانتاج السمكي، وممكن أن تكون بضمنها وحدات طحن لمخلفات انتاج هذه المصانع.
موقف السلطة المحلية في حضرموت بشأن وقف مصانع طحن الاسماك، موقف يستحق دعمه شعبيا ومن كل القوى الحضرمية، كونه يصب في مصلحة المواطن والحفاظ على الثروة السمكية والبيئة، كما يستدعي هذا الموقف، تنسيق وتلاحم بين السلطتين المحليتين في حضرموت والمهرة، كونهما المستهدفتين والمتضررتين من عبث هذه المصانع، ويجب عليهما أن يتضامنا في رفض توجيهات رئيس الوزراء، بناء على ما أبدته سلطات حضرموت من أسباب واضحة لا لبس فيها، كما تقع المسؤلية أيضا على عاتق المثقفين والاعلاميين والناشطين، مهمة دعم وتأييد موقف السلطة المحلية، في رد توجيهات رئيس الوزراء وعدم التعامل معها، وأن يستمر ايقاف عمل مصانع طحن الاسماك، حتى تشكل لجنة متخصصة، توضع من خلالها معايير وشروط صحيحة، لاقامة مشاريع الاستثمار في مجال الانتاج السمكي، وليس كما يريده لوبي الفساد مصانع طحن اسماك فقط.