مدرسة الشهيدة نعمة رسام .. صرح تربوي يتحدى الحرب ويصنع النجاح
رغم السنوات العشر العجاف التي عاشتها الجمهورية اليمنية في ظل الحرب والانقلاب، والتي ألقت بظلالها القاتمة على العملية التعليمية في مختلف مستوياتها، من التعليم الأساسي وحتى الجامعي والفني، ظهرت نماذج مشرقة أعادت الأمل في استمرار العلم والمعرفة.
لقد أدى الانفلات الأمني، والأوضاع الاقتصادية المتردية، وتوقّف صرف رواتب المعلمين، واعتقال القيادات التربوية، وتغيير المناهج، إلى انهيار واسع في البنية التعليمية، خصوصاً في المناطق الخاضعة لسيطرة المليشيات الحوثية، وكذلك في بعض المناطق التابعة للشرعية، حيث غادر عدد كبير من المعلمين البلاد أو اضطروا للتوقف عن العمل.
ومع ذلك، لم تستسلم كل المؤسسات التعليمية لهذا الواقع المؤلم، بل برزت مؤسسات صمدت وتحدّت هذه الظروف بإصرار وعزيمة، وكانت من أبرزها مدرسة الشهيدة نعمة رسام للبنات بمدينة تعز، التي غدت منارة للعلم والتفوق في زمن الحرب، ونموذجاً يُحتذى به في عموم الجمهورية.
منذ أن تسلمت الأستاذة الفاضلة رجاء الدبعي إدارة المدرسة مطلع يناير 2020م، انطلقت المدرسة في مسار التميز بثبات، متحدية كافة التحديات الميدانية والاقتصادية والتعليمية، ونجحت في بناء منظومة تعليمية فعالة رغم الإمكانيات المحدودة.
ورغم شح الإمكانيات، وغياب معلمي التخصصات العلمية، وعدم توفر الموارد الأساسية، استطاعت إدارة المدرسة أن تعوّض هذا النقص عبر استقطاب مدرسات متطوعات، وتفعيل برامج تدريبية حديثة للمعلمين، بالإضافة إلى استخدام الوسائل التعليمية المتطورة، وعلى رأسها الشاشات التفاعلية ومركز البحث العلمي والمعامل الحديثة، مما ساهم في رفع كفاءة العملية التعليمية وتحقيق مخرجات عالية الجودة.
لم تقتصر جهود المدرسة على الجوانب الأكاديمية فقط، بل كانت حاضرة بقوة في مختلف الأنشطة المدرسية والمهرجانات الوطنية والدولية، فقد أقامت فعاليات متعددة في المناسبات الوطنية، وشاركت في مسابقات على المستويات المحلية والعربية والدولية، محققة مراكز متقدمة، ما عزز من مكانة المدرسة بين نظيراتها في الجمهورية.
ومن أهم مشاركات طالبات المدرسة في المحافل الدولية، المشاركة في مسابقة البحث العلمي التي أقيمت في تونس عام 2021م، وكذلك في المؤتمر الخامس للبحث العلمي، حيث تم قبول بحوثهن ومناقشتها ونشرها في مجلات علمية محكمة، وهو إنجاز علمي فريد من نوعه يعكس حجم الجهود المبذولة في صقل قدرات الطالبات العلمية والبحثية. ويعد إعداد ورقة بحثية ومناقشتها في مؤتمر علمي دولي خطوة غير مسبوقة لطالبات مدرسة حكومية تعمل في ظل ظروف الحرب، مما يعكس جودة العملية التعليمية في المدرسة وتميزها. ومن المقرر أن يتم تكريم هؤلاء الطالبات يوم الخميس القادم عبر تقديم أجهزة لابتوب تقديراً لجهودهن العلمية وإنجازاتهن المشرفة.
وقد توجت هذه الجهود بمجموعة من الجوائز والدروع، أبرزها درع التميز في العملية التعليمية والأنشطة المدرسية، المقدم من وزارة التربية والتعليم اليمنية، ودرع المدرسة المتميزة المقدم من دولة الإمارات - دبي، في اعتراف دولي بمستوى المدرسة الرائد، التي تألقت في زمن الحرب والانهيار، ونهضت بالتعليم، وصنعت النجاح، وكتبت قصة نجاح تربوي في زمن الأزمات.
إن هذا التميز والإبداع ليس وليد الصدفة، بل هو نتيجة لتكامل عدة عوامل رئيسية، من أهمها: القيادة الإدارية الواعية والناجحة بقيادة الأستاذة رجاء الدبعي، وإخلاص وتفاني الهيئة التدريسية، ودعم المجتمع المحلي والمؤسسات المجتمعية، وفي مقدمتها خلية الأعمال الإنسانية، وجمعية الحكمة اليمانية، ورجل الأعمال الأستاذ شوقي أحمد هائل سعيد، وجهات مانحة أخرى لعبت دوراً مهماً في استمرارية المدرسة وتطورها.
ختاماً، تُعد مدرسة الشهيدة نعمة رسام للبنات بتعز أنموذجاً حقيقياً لما يمكن أن تصنعه الإدارة الرشيدة، والإرادة الصادقة، والتكاتف المجتمعي، حتى في أحلك الظروف. إنها ليست مجرد مدرسة، بل صرح وطني يبعث برسالة أمل إلى كل اليمنيين رغم الحرب، ويثبت أن هناك من لا يزال يصنع التعليم والنجاح.