التاريخ يعيد نفسه.. "طراميح قمحانة" حائط الصد الأخير بين "الفصائل" وقلب حماة
عادت بلدة في ريف حماة الشمالي وأبناؤها "الطراميح"، لتتصدر عناوين الأخبار بعد اقتراب منها والمحاولات المستميتة لاحتلالها كخطوة إجبارية في الطريق إلى قلب مدينة حماة، حيث تشكل هذه البلدة حائط الصد الأخير من جهة الشمال في وصول الفصائل المسلحة إلى المدينة.
وعُرفت "قمحانة" منذ عام 2011 بأنها بقيت عصية على الفصائل المعارضة، حتى حين سيطرة هذه الأخيرة على مساحات شاسعة من سوريا، بما فيها المحيط الجغرافي المحيط بالبلدة.
وتتبع ناحية قمحانة لمحافظة حماة. ويبلغ عدد سكانها نحو 15 ألف نسمة، وتقع إلى الشمال من مدينة حماة بحوالي 8 كم، وتمتد من سفح جبل زين العابدين شرقاً إلى خربة الحجامة وضفاف نهر العاصي غرباً ومن مدينة حماة جنوباً إلى طيبة الإمام شمالاً.
قمحانة.. معضلة الفصائل
وتسيطر الفصائل المسلحة بعد أسبوع من القتال، على عدد من المواقع على أبواب مدينة حماة، أبرزها مدرسة المجنزرات قرب بوابة حماة من الجهة الشمالية الشرقية، والتي تضم المقر الرئيس لـ"الفرقة 25- مهام خاصة" المدعومة من روسيا، وأكثر الفرق العسكرية تدريباً وتسليحاً بأحدث المعدات الروسية.
ومن البوابة الشمالية الغربية لمدينة حماة، بسطت الفصائل سيطرتها على بلدة خطاب ورحبتها العسكرية، بينما تخوض معارك عنيفة للسيطرة على عدد من القرى التي باتت تفصلها عن مدينة حماة.
ووفقا لمصادر معارضة، فإن السيطرة على خطاب ورحبتها، وما بعدها من مواقع ليست بالتحصين نفسه، ستؤمن، لـ"هيئة تحرير الشام" والفصائل المتحالفة معها، خنق القوات السورية والقوى العسكرية "الرديفة" في بلدة قمحانة، والتي لا تزال عصية على دخول الفصائل، حيث تشكّل قمحانة مع جبل زين العابدين، آخر قلاع الجيش السوري للدفاع عن البوابة الشمالية لمدينة حماة.
وتنبع أهمية قمحانة من موقعها الجغرافي، حيث تُشرفُ على مدينة حماة التي تبعد عنها بضعة كيلومترات، كما تقع على سفح جبل زين العابدين الذي يكشف مدينة حماة وكل المنطقة المحيطة به. وعملياً، تمثل قمحانة خط الدفاع الأخير عن حماة وعن الجبل، وبالتالي فإن "سقوطها بيد المعارضة يعني أن مدينة حماة ستصبح مسرح العمليات العسكرية، وقد تسقط هي الأخرى بيدهم".
محط استفهام
لطالما كانت قرية "قمحانة" محط استفهام وتعجب منذ بدء الأزمة السورية، فسكانها من السنّة، ولكنهم مؤيدون بشدة للدولة السورية في محيط غير مؤيد. ومنذ أحداث حماة عام 1982 اختارت البلدة صف الدولة، بسبب وجود عدد كبير من أبنائها أعضاء في حزب البعث الحاكم.
وتذهب مصادر معارضة إلى تفسيرات غريبة لولاء أهالي قمحانة ووقوفهم في صف الدولة والجيش السوري، يتعلق بتأثير مقام زين العابدين المجاور للقرية، والذي يقصده العلويون من كل مكان. إذ يعتبرون أنه، ربما عبر الزمن، تشكلت علاقات بين هؤلاء وبين أهالي قمحانة السنة، فيما يعتبر أهالي قمحانة هذا التفسير "طائفيا وسخيفا".
ووفقا للعديد من المصادر، يتعزز دعم أهالي قمحانة للجيش السوري هذه الأيام، بسبب مقتل العديد من أبناء البلدة طيلة سنوات الحرب على يد "هيئة تحرير الشام" والفصائل المعارضة، وليقينهم أن هذه الفصائل فيما لو سيطرت على البلدة فستبادر إلى الانتقام منهم بسبب مشاركتهم في كل معارك الجيش ودورهم الكبير في فشل الفصائل بدخول مدينة حماة منذ عام 2011.
ويقول أحد أبناء البلدة لإرم نيوز، إن "كثيرين يفترضون أن داعمي النظام هم طائفة النظام فقط، وهذا كذب. والدليل هنا في قمحانة وأيضا في حلب ودمشق ودير الزور وغيرها الكثير من المناطق السورية التي ترفض أن تحكمها فصائل متشددة وإرهابية".
خزان "الطراميح"
تعتبر "قمحانة" خزان فوج "الطراميح"، أبرز تشكيلات "الفرقة 25- مهام خاصة"، ورأس الحربة المقاتلة مع سهيل الحسن "قوات النمر"، عدا عن وجود عدد من أبنائها في باقي التشكيلات الرديفة لقوات الجيش مثل "الدفاع الوطني".
وعبر سنوات الحرب السورية، كان "فوج الطراميح" حاضرا في كل معارك الريف الحموي، بالإضافة إلى المعارك على امتداد سوريا، فأينما كان هناك معارك لسهيل الحسن، سيكون هناك مقاتلون من قمحانة" وفقا لأبناء البلدة.
وعن الوجه المحارب لقمحانة، وهو الوجه الذي اشتهرت به، يقول أحد أبنائها الذي يقاتل في صفوف الجيش: "بالنسبة لقمحانة، انخرط أبناؤها في الحرب منذ بدايتها، فهناك من التحق بالجيش وقاتل معه، وهناك من قاتل مع حزب الله أو مع السوريين القوميين وغيرهم. لكن الصيت القتالي لقمحانة لم ينتشر إلا بعد تشكيل فوج الطراميح، الذي أسسه "سهيل الحسن"، والذي اعتمد عليه ووثق به. كما أن منتسبو الطراميح من قمحانة يثقون بالحسن، ويوالونه بشكل كامل".
التاريخ يعيد نفسه
يتميز فوج "الطراميح"، بأنه أحد أبرز التشكيلات العسكرية المقاتلة في الفرقة 25، وتقول مصادر عسكرية بأن "له صولات وجولات في معظم المعارك التي خاضها سهيل الحسن، خصوصا معارك حلب وريفها وريف حماة الشمالي".
وحتى الفصائل المعارضة تعترف بأن "الطراميح" هم مقاتلون أشداء، وبدا هذا على أكثر من جبهة، خصوصاً أثناء الهجوم الكبير على قمحانة في آذار 2017، حيث لم تستطع قوات المعارضة أن تأخذ البلدة التي "قاتل من فيها بشراسة، حتى النساء" وفقا لأحد أبنائها.
ورغم أن البعض أعاد هذا الصمود إلى الطيران والدعم الكبير أثناء المعركة، إلا أن أهالي البلدة قالوا بأن الطيران والدعم كانا حاضرين في كل المعارك آنذاك، ومع ذلك سقطت الكثير من المناطق، ولم يبق سوى قمحانة فاصلاً بين الفصائل المسلحة ومدينة حماة".
واليوم، يبدو أن التاريخ يعيد نفسه بعد سنوات من الهدوء، وتقف "قمحانة" مع "طراميحها" في صف الجيش السوري ضد هجمات الفصائل، فهل ستنجح من جديد في صد هذه الهجمات ومنع سقوط حماة في أيدي الفصائل المعارضة؟
وكالات