في مآلات العقل والنقل

قد خلق الله الإنسان ، وميزه على سائر مخلوقاته بالعقل ، واستخلفه في الأرض ، وأمره بالعلم ؛ إذ علم آدم الأسماء ، وابتدأ خطابه لمحمد بكلمة اقرأ ، وأقسم جل جلاله بالقلم ، وهذا أمر فيه تعظيم للعلم وأدوات الرسم أو الكتابة ، ويحمد للخلافة العباسية تشجيعها للعلم وتحفيز العلماء ، فضلا عن انفتاحها على الأمم الأخرى ، وترجمة علوم السابقين ، ماخلق تلاقحا ثقافيا ، ومددا حضاريا ، ممهورا بأخلاق الإسلام وعدالة المسلمين ...

وهذا تحقق حين أطلق الخلفاء العباسيون للعقل عنانه ، وللمفكرين ميادين الخلق والإبداع ، الأمر الذي جعل الأمة تصنع علما نافعا ، وحضارة مشرقة ، نهلت من معينهما العذب الصافي بقية الأمم في الغرب والشرق . وعلى حين غرة فوجئت الأمة بانتشار حملة منهج النقل وأعداء التدبر والتفكر والعقل ، وشنوا حملتهم الشعواء ضد أرباب التفكير وحملة مشاعل التنوير ، فتغير الحال وتبدل المآل ، فأصبح أولئك العلماء ، بعد أن كانوا للخلفاء ندماء ، مطاردين في الأرجاء ، يحيون في مجتمعهم غرباء ، يحاكمون بتهمة الزندقة ، والخروج عن منهج السلف والقدماء ، ونسوا أو تناسوا ماورد في القرآن الكريم من الأوامر بإعمال العقل : لعلكم تتفكرون ... لعلكم تتدبرون ... أفلا تعقلون ... أفلا تبصرون ......إلخ 

ومن هنا بدأ الانحدار والتراجع يصيب الأمة ، فتملكها الوهن ، وغشيها الضعف ؛ إذ أصبح النقل المنهج المقدس لأكثريتها ، والتوقف عن التفكر والتدبر والتأمل بغية الأغلبية من قادتها وشيوخها ، فها نحن قد عدنا عبيدا للعبيد ، ونداس ببساطير أحفاد القردة والخنازير . 
لاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم