ما فرص الوسطاء لإقرار «هدنة» في غزة قبل تنصيب ترمب؟
الحديث عن «مقترح مصري» لإبرام هدنة في قطاع غزة يتواصل في دوائر إعلامية إسرائيلية وأميركية، يقابله إعلان «حماس» قبول مقترح القاهرة بشأن «لجنة إدارة القطاع»، وسط ترقب لمهلة وضعها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب لإطلاق سراح الرهائن قبل موعد تنصيبه في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل.
خبراء تحدثوا مع «الشرق الأوسط» يرون أن فرص الوسطاء لعقد هدنة في تلك الأجواء الحالية بالمنطقة أكبر مما سبق من جولات، خاصة مع تهديد ترمب الأخير بتصعيد إن لم يتم إطلاق سراح الرهائن، وكذلك قبول «حماس» بمقترح «إدارة غزة». ولفت الخبراء إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، من مصلحته هذه المرة تحت الضغوط الداخلية والأميركية أن يبرم اتفاقاً، خاصة وهو ليس لديه ما يقدمه في ملف الرهائن بعد استنفاد أغلب وسائله العسكرية دون جدوى.
وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية، الخميس، بينها صحيفة «يديعوت أحرونوت»، و«القناة الإخبارية 12» عن أن مقترحاً مصرياً يناقش، من «وراء ستار»، وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار لمدة 45 إلى 60 يوماً، وإطلاقاً تدريجياً للرهائن الإسرائيليين الأحياء، بجانب إطلاق سراح أسرى فلسطينيين وفق «معيار جديد سيتم الاتفاق عليه».
ويشمل المقترح، الذي لم تعلق عليه القاهرة «فتح معبر رفح بإدارة فلسطينية مشكّلة بلجنة إدارة مستقلة يشرف عليها ممثلون أميركيون»، وزيادة المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى قطاع غزة إلى نحو 350 شاحنة يومياً، مع شكل جديد لنشر القوات في محوري «نتساريم وفيلادلفيا».
ووفق معلومات تلك التقديرات الإسرائيلية ذاتها، فإن «الأيام الستين الأولى ستكون بمثابة فترة تجريبية للطرفين، وإذا نجحت الخطة، فإنها ستكون نهاية الصراع بين الطرفين»، لافتة إلى أن «الهدف هو التوصل إلى اتفاق قبل عودة ترمب للبيت الأبيض».
وبالتزامن، نقل موقع «أكسيوس» الأميركي، الخميس، عن مسؤولين إسرائيليين، أن «إسرائيل قدمت لـ(حماس) مقترحاً محدثاً بشأن صفقة لإطلاق سراح بعض الرهائن المائة المتبقين الذين تحتجزهم (حماس)، والبدء في وقف إطلاق النار في غزة»، وأن «(حماس) أبدت استعداداً أكبر لإظهار المرونة، والبدء في تنفيذ اتفاق جزئي».
ضغوط على «حماس»
وكانت «هيئة البث الإسرائيلية»، قد ذكرت، الأربعاء، أن «إسرائيل تنتظر ردَّ (حماس) على المقترح المصري لوقف الحرب على غزة»، وتزامن ذلك مع تأكيد وزير الدفاع الإسرائيلي أنه «بسبب الضغوط العسكرية المتزايدة على (حماس)، هناك فرصة حقيقية هذه المرة لأن نتمكَّن من التوصل إلى اتفاق بشأن الرهائن».
وحذّر ترمب، الاثنين، عبر منصته «تروث سوشيال»، بقوله إنه «سيتم دفع ثمن باهظ في الشرق الأوسط» إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة قبل أن يقسم اليمين رئيساً في يناير 2025، وسط ترحيب من نتنياهو في اليوم التالي، وتأكيد على العمل على تحقيق صفقة.
ويرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، أن الحديث المتواصل من جانب الدوائر الإعلامية الإسرائيلية والأميركية يقابله على أرض الواقع استمرار إسرائيل في توسيع جهودها العسكرية، و«هذا لوضع للعراقيل، وليس لدعم جهود الوسطاء»، لأن نتنياهو يعلم أن هذا لن تقبل به «حماس».
وقد يحمل تفاعل نتنياهو وهذا الترويج الإسرائيلي استجابة لطلب ترمب قبل ولايته الجديدة، أو محاولة لرفع التطلعات واستمرار المماطلة لمنح إدارة الرئيس الأميركي المنتخب وليس الحالي جو بايدن مكسب تحقيق عودة الرهائن، وفق حسن، موضحاً أن السيناريوهين يقولان إن «الوسطاء قد يقتربون من الاتفاق على هدنة إذا استمرت الأجواء المساعدة، لكن الخلاف في توقيت الإعلان».
وباعتقاد المحلل السياسي الفلسطيني والقيادي بحركة «فتح»، الدكتور أيمن الرقب، فإن نتنياهو بحاجة لهدنة لا توقف الحرب، وقد تكون تلك الفرصة متاحة له هذه المرة تحت الضغوط الداخلية والأميركية ليبرم اتفاقاً، خاصة أن ليس لديه ما يقدمه في ملف الرهائن بعد استنفاد أغلب وسائله العسكرية دون جدوى.
ويرى أن إصرار الإعلام الإسرائيلي على وضع «حماس» في صورة أنها من تملك إنجاح أو إفشال الاتفاق «محاولة لوضع حجج مستقبلية، في ظل واقع يقول إن إسرائيل هي وحدها من تتحمل حتى اللحظة مسؤولية إفشال كل الجولات السابقة».
فيما أفاد مصدر مطلع على ملف الوساطة، الخميس لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بأن قطر استأنفت دورها في جهود الوساطة بعد تعليق وجيز الشهر الماضي، وذلك غداة حديث مصدر مطّلع لـ«رويترز»، الأربعاء، عن أن مبعوث ترمب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، التقى رئيس وزراء قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وكذلك نتنياهو، لبدء جهود دبلوماسية لإطلاق سراح الرهائن قبل وصوله للبيت الأبيض، مرجحاً أن تبدأ جولة جديدة من المحادثات قريباً.
«المقترح المصري»
ولم تتطرق «حماس» في بيان صحافي، الخميس، إلى ما وصفته الصحافة الإسرائيلية بـ«المقترح المصري»، إلا أن الحركة قالت إنها «أجرت حواراً معمقاً مع حركة (فتح) حول تشكيل لجنة لإدارة قطاع غزة»، مضيفة: «أبلغنا القاهرة موافقة الحركة على المقترح المقدم من الأشقاء في مصر حول تشكيل لجنة الإسناد المجتمعي عبر آليات وطنية جامعة»، دون إشارة إلى وجود مقترح للهدنة من عدمه.
وبرأي الرقب فإن القاهرة رغم عدم إعلانها «تبذل مجهوداً كبيراً لفك تصلب المواقف، خاصة مع إبداء (حماس) مرونة، وفق ما يصل من معلومات بشأن مسار الانسحاب الإسرائيلي التدريجي». ويعتقد أن قبول «حماس» بمقترح مصر الذي نوقش على مدار جولتين سابقتين في أكتوبر (تشرين الأول)، ونوفمبر (تشرين الثاني) الماضيين، وقبل أيام بجولة ثالثة، يعزز مسار إبرام الهدنة، ويقطع أي ذريعة لإسرائيل لعدم بحث اليوم التالي بحجة بقاء «حماس» في الحكم.
وتحدث مصدر فلسطيني مطلع في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، الثلاثاء، عن أن «حركتي (فتح) و(حماس) اتفقتا بشكل مبدئي عقب سلسلة اجتماعات في القاهرة، على تشكيل لجنة تحمل اسم الإسناد المجتمعي ستكون معنية بإدارة قطاع غزة في اليوم التالي لانتهاء الحرب». وستُشكل اللجنة «حسب الاتفاق المبدئي من تكنوقراط دون تبعية لـ(حماس) أو (فتح)». وستُدمج كل القطاعات الحكومية بالقطاع داخل نظامها الإداري بدءاً من الشرطة والوزارات وغير ذلك، وصولاً لتسلم معبر رفح من الجانب الفلسطيني وإدارته، وفق المصدر ذاته.