الزعتر الإسباني كنز الطبيعة المنسيّ في اليمن
في أعماق الجبال والسهول اليمنية، حيث تنساب نسائم الطبيعة بلا قيد، ينمو نبات الزعتر الإسباني، المعروف علميًا بـ (Thymus vulgaris)، وعربيًا بـ "الشار". هذا النبات الذي يُطلَق عليه في بعض مناطق يافع اسم "شعوس"، يكاد يكون شاهدا صامتا على غفلة اليمني عن كنوزه. يزدهر هذا النبات دون أن تمتد إليه يد الرعاية، ويزهر بلا مقابل، لكنه يظل أسير النسيان والتجاهل؛ بل وربما النظرة الدونية التي جعلت أكله ربما مقتصرا على "الفقراء".
يحمل الزعتر الإسباني في أوراقه الصغيرة وأزهاره العطرة سرا عظيما، فهو ليس مجرد نبات عادي؛ بل يُعد مخزنا للطبيعة بحد ذاتها؛ إذ يحتوي على:
- الزيوت العطرية: كـ"الثيمول" و"الكارفكرول"، وهما مركبان يتحدث عنهما الطب كعلاج للبكتيريا والفطريات.
- الفيتامينات والمعادن التي تغذي الجسد وتقيه من الأمراض، كفيتامين C والحديد والكالسيوم.
- مضادات الأكسدة التي تحارب الزمن وتُحصّن المناعة.
والزعتر الإسباني يغني المائدة بنكهات عطرية فريدة، ويمدّ الجسم بما يحتاجه من طاقة ونشاط، ويُحسّن الهضم، ويحارب مشكلات المعدة.
وبين يدي الجدّات وأوعية الأطباء، كان الزعتر دائمًا خير نصير. فهو يهدئ السعال، يُسكّن الالتهابات، ويُطهر الجروح.
ويُعد خيارا مثاليا لتزيين الحدائق، بسيقانه وأوراقه التي تشع جمالا ورائحته التي تعانق الهواء.
ولقد أدركت شعوب كثيرة قيمة هذا النبات، فكان جزءا من تراثهم؛ ففي الشرق الأوسط، يُخلط مع السمسم والزيت ليُصبح مزيجا للخبز، أو يُستخدم في الشاي الساخن.
وفي المغرب العربي، كان يُغلى مع الماء ليصبح مشروبا شافيا من أمراض البرد.
وفي أوروبا، خاصة فرنسا وإيطاليا، أصبح عنصرا أساسيا في المأكولات العطرية والأدوية العشبية.
هذا النبات الفريد لا يطلب الكثير؛ يكفيه تربة خفيفة وجافة لتتنفس جذوره بحرية. وأشعة الشمس لتعانق أوراقه الخضراء. وماء قليل يمنحه حياة دون إغراق.
يمكننا أن نذكّر بأنه لم يكن يوما رمزا للفقر؛ بل رمزا للحكمة والطبيعة.
واستخدامه في الوصفات العصرية، أو إضافته كزينة للطاولات، سيعيد له رونقه في العيون.
وحينما يُزرع في شرفات المنازل وحدائقها، سيعود ليروي قصة الإنسان والطبيعة.
وتحويله إلى منتج اقتصادي مُصدّر، ربما يصنع هوية جديدة للبلاد ويعكس جمال طبيعتها.
إنه ليس مجرد نبات ينمو في البراري؛ بل هو صوت الطبيعة الذي يهمس لنا بخيراته. فلا نترك هذا الصوت يضيع في زحمة النسيان؛ بل لنحييه في أطباقنا وحدائقنا وحياتنا. إنه نبات يُمثل الانسجام بين الجمال والفائدة، وبين الماضي والحاضر، فينبغي أن نستجيب لندائه!
والله الموفق!
ودمتم سالمين!