في تحد صارخ لشعب بائس
لم نكن نتوقع في يوم من الأيام ، بل لم يخطر على بالنا ، ولم يعبر حتى في أثناء سهرنا ، أو يعرج من ضمن قطيع الوهم في خيالنا ، أنه سيأتي يوم يتنكر لنا فيه رفاق السلاح ، وشركاء الثورة ، وجموع الزحف معا نحو اجتياز حواجز التغيير ، كلا لم يتسلل إلى نفوسنا أضعف وساويس الظن أبدا أن الذين رسمنا - نحن وهم - بدمائنا أنبل الأهداف ؛ مثل الحرية ، والديمقراطية ، والمواطنة المتساوية ، والعيش الكريم ، يصبحون بين عشية وضحاها هم الجلادين ، وهم الطغاة ، وهم الظلم عينه ، بل وهم كل شيء قبيح من شأنه إذلال الإنسان وإفقاره ، إننا في الحقيقة مازلنا في غيبوبة من ارتجاج الصدمة وهول المفاجأة ، إلى هذه اللحظة لما نفق بعد...
أجل لقد تذكرت أحد الصعاليك وهو يسأل ذات يوم لماذا تريد قتل الملك ؟ قال : إنما أريد قتله لأحل محله ، وعند ذلك سأحصل على المال والكساء ، وعلى الخمر والنساء ، وعلى القصور الفارهة والخباء .
وعند هذا فقط علمت الهم الحقيقي لرفاقنا في مشروع الثورة والتغيير ، إذ انطلقوا مسرعين نحو تلك الملذات التي سردها ذلك الصعلوك الأعرابي ذات يوم .
ومع ذلك كله لم نغضب غضبة الجياع عليهم ، مع أننا نعيش المجاعة بكل صورها ، ولم نحك المؤامرات والدسائس ضدهم ، مع مانقاسي من الويلات ، بل التزمنا الصمت في زمن ترتفع فيه الأصوات ، وانتهجنا الصبر ، والمجاعة تحصد أرواحنا ، لكنهم تمادوا في غيهم ، وطغوا في ظلمهم ، بل وصل بهم الأمر إلى أن يمنعونا من رفع أيدينا إلى السماء والوقوف بتلك الساحات التي كنا نقف فيها نحن وهم ذات يوم - ولم يستطع المستبدون السابقون منعنا من ذلك - أما اليوم إذا ماوصل القليل منا خلسة إلى أطرافها يردون علينا بجرع الموت ؛ كانهيار العملة الوطنية المرعب ، وكذلك رفع أسعار الوقود ومايترتب على ذلك الارتفاع ...
لماذا كل هذا الانتقام من هذا الشعب البائس الذي كنتم - إلى قريب - جزءا منه ؟؟؟