ثانوية جواس.. معقل المجد ومنارة الفكر
ما زلتُ أذكر قاعات الدرس التي شهدت حواراتنا، وساحات المدرسة التي احتضنت ضحكاتنا، و التي كانت ملاذ أفكارنا. وكم أفتقد أولئك الأساتذة الذين غرسوا فينا حب العلم والبحث والمعرفة، وفي مقدمتهم الأستاذ عبدالله مشدود ( نسأل الله له العافية )، الذي كان قدوةً في العطاء، ونموذجًا في التفاني والإخلاص.
إن العودة إلى ثانوية جواس ليست مجرد زيارة إلى مكان، بل عودة إلى الزمن الأجمل، والروح الأكثر نقاء، والطموحات التي لم تعرف المستحيل. هناك، حيث تشكلت أحلامنا، ونضجت أفكارنا، وتفتحت عقولنا على دروب المستقبل.
لقد كانت مسابقة ثانوية جواس بمديرية مودية – أبين، التي توّجت فعالياتها هذا اليوم، واحدة من تلك النفحات الثقافية التي يحرص الشيخ الوليدي على غرسها في قلوب شبابنا. أن يتنافس الطلاب في حفظ معلقة عنترة بن شداد وإلقاء "لأمية العرب" للشنفرى، فهذا ليس مجرد نشاط مدرسي عابر، بل هو عودة حقيقية إلى عصور البيان الساطع، والكلمة الهادرة، والفكرة المتقدة. إنه إعادة وصل لما انقطع بين الأجيال المعاصرة والموروث الأدبي العريق، ذلك الموروث الذي لم يكن مجرد كلمات منظومة، بل كان سجلًا لتاريخنا، وسيفًا لمعركتنا، ونورًا لهويتنا.
حينما يتوهج نور الفكر في ظلمة العزوف، وحينما يعلو صوت الأدب في صخب الحياة اليومية، فإننا حتمًا سنجد وراء هذا النور، وذلك الصوت، رجلًا لا يهدأ، وعقلاً لا يملّ من البناء، وقلبًا يفيض حبًا لتراث أمته وأبنائها. إنه الأديب والمفكر الشيخ ناصر الوليدي، الرجل الذي حمل على عاتقه مسؤولية إعادة الشباب إلى ينابيع الثقافة العربية الأصيلة، وإحياء الوعي بقيمة الأدب في صياغة الوجدان وتشكيل العقول.
أبو زين.. رجل لا يملّ البناء
ما يقدمه الشيخ ناصر الوليدي هو أكثر من مجرد رعايةٍ لمسابقة أدبية أو نشاط ثقافي، إنه إحياءٌ لأمة، واستنهاضٌ لهمّة، وإشعالٌ لروح التنافس العلمي والأدبي. هو يؤمن، ونحن معه نؤمن، بأن الشعوب لا تنهض إلا بالفكر، ولا تتقدم إلا بالوعي، ولا تعود إلى عزّها إلا إذا عادت إلى تراثها وهويتها.
في زمنٍ أصبحت فيه الأضواء مُسلَّطة على الفراغ، وأصبحت العناوين صاخبة بلا مضمون، يقف الشيخ الوليدي كمقاتل في ميدان الوعي، يحرس القيم، ويشيد جسور الثقافة، ويمدّ يده لكل شابٍ متعطش للمعرفة. وما فعله اليوم في ثانوية جواس ما هو إلا امتدادٌ لتلك الرؤية التي تتجاوز اللحظة، وتمتد إلى المستقبل.
فشكرًا أبا زين، فقد أثبت أن الأدب ليس ترفًا، بل ضرورة، وأن الفكر ليس كمالًا، بل أساس البناء. شكرًا لجهودك الجبارة في تنمية العقول، وشحذ الهمم، وصقل المواهب. بوركت خطاك، وكتب الله أجرك، وجعل منك قنديلًا لا ينطفئ في دروب التنوير.
ما حدث اليوم في ثانوية جواس ليس مجرد مسابقة، بل هو إعلانٌ بأن الفكر حيّ، وأن الأدب باقٍ، وأن شباب أبين قادرون على حمل شعلة الثقافة والحضارة. فلتكن هذه المبادرات بدايةً لمسيرة أطول، تضيء عتمة الأيام، وترفع راية العلم والمعرفة عاليًا.
سلامٌ على جواس.. وسلامٌ على كل من غرس فيها بذور الأمل، وعلّم الأجيال كيف يكون الفكر سلاحًا، وكيف يكون العلم رسالة، وكيف يكون الأدب طريقًا للعزة والرقيّ.