في معاناة الكاتب
كثُرَ الأقلام ، وتعددت مناهلهم ، وتنوعت مشاربهم ، الأمر الذي ظهر في اختلاف عطائهم ، وتباين رسائلهم ؛ فمنهم من عمدت رسالته إلى الخوض في سفاسف القول ، وأمور لا تسمن ولا تغني من جوع ، ومنهم من ذهب إلى النفاق ، وكيل المديح للسلطان ، وهؤلاء تجد المتابعين لهم كثر ، والمادحين لخزعبلاتهم أكثر ...
لقد أطلت في التوطئة ياصالح ، فاعمد إلى ماتريد ، وأسمعنا بيت القصيد ، فنحن لم نعد نقرأ الخطاب الطويل ، ولا نستسيغ القول الهادف الجميل . حسنا يا منتفع سوف أختصر عليك الطريق ، وأدخل في القول المفيد .
ومن الأقلام ما يصنع أحرفا ذهبية ورسائل هادفة تسعى إلى تغيير الواقع المزري ، وتنشد المستقبل الأفضل ، وتتنبأ بما لايتقبله عقل القارئ السطحي ، ولايفقهه قلب الأحمق المغفل ، غير أن مثل هذه الأقلام لاتجد الصدى الملائم في راهننا ، ولايستسيغها الكثير من أمتنا ، تجد أربابها يحاربون ، وأصحابها يقمعون ، وهذا ديدن المجددين ، ومنهج الصالحين على مر الأزمان ، وفي كل مكان ، غير أنهم إذا ماصبروا وتحملوا الأذى ، وأحسنوا العطاء فإنهم سوف يحشرون في زمرة الأنبياء والصالحين ... فطوبى لكل كاتب حر شريف أبي لا يقبل الدنية في قلمه ولا المساومة في رسالته .