كان موقفًا عاديًا... حتى كاد يُبكيني."
بقلم: صفاء المليح
عند الساعة الخامسة مساءً، كنت واقفة عند أحد البائعين أشتري كيس شبس.
ما توقعت أبدًا إن هاللحظة الصغيرة راح تقلب قلبي رأسًا على عقب.
رجل معاق، خطواته ثقيلة ونظرته خجولة، وقف بجانبي. أراد أن يشتري شبسًا، لكن النقود في يده لم تكن كافية.
طلب من البائع... والبائع رفض.
"ما أقدر أعطيك ببلاش"، قالها وكأنها طعنة.
وقفت أتفرّج. ما تكلمت.
رأيت في وجه الرجل شيئًا أكبر من الجوع... رأيت انكسارًا.
أطفال البائع، لا تتجاوز أعمارهم الخمس سنوات، كانوا يأكلون الشبس بجانبه.
ومن براءتهم، أعطوه ما تبقّى معهم.
أخذه وأكله... ولكن! وجهه لم يكن سعيدًا.
كان يأكل، ودمعة صامتة تكاد تنزل من عينيه.
لم يكن متسوّلًا... بل رجلًا كسرته الظروف، لا كرامته.
حاول أن يشتري، لا أن يتسول.
لكن المبلغ خان يده، والبائع خان اللحظة.
مشى الرجل... ومشيت خلفه.
اشتريت له كيس شبس، وسرعتُ الخطى.
وجدته جالسًا على كرسي خشبي، بجانب بائع شاورما.
ناولته الكيس...
ورأيته يبتسم.
ولكن أي ابتسامة؟
ابتسامة خرجت من أعماق الألم، ولامست أعماق قلبي.
رجعت بعدها لأشتري ما أريد لنفسي، لكني كنت مختلفة...
كأن الله أراني درسًا في الإنسانية:
أن جبر الخواطر لا يحتاج مالًا كثيرًا، بل قلبًا يشعر.
ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم:
"من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة"؟
وقال تعالى: "وأما السائل فلا تنهر".
ليس شرطًا أن يكون السائل متسولًا... أحيانًا يكون سائلًا في صمته، في نظراته، في كسرة نفسه.
فيا من تقرأ كلماتي الآن، اجبر خاطرًا.
كلمة، ابتسامة، موقف بسيط... قد تخلّد في قلب إنسان، وتكون لك بابًا من نور في الدنيا والآخرة.