نظافة العقل أهم من أناقة الثياب
في زمنٍ اختلطت فيه القيم بالمظاهر، لم تعد الأقمشة البراقة دليلاً على الصفاء الداخلي، بل غدت غطاءً يموّه فساد الفكر وغطرسة الطبقة. لقد أصبحنا نعيش في عالمٍ تُقاس فيه الهيبة بما يُلبس، لا بما يُفكَّر، وتُمنح فيه المراكز لأصحاب العقول المتحجرة، طالما كانوا مُلبّين بمعاطف تخفي هشاشة ضمائرهم.
ما أهلك الأوطان إلّا نخبة أنيقة في الشكل، فارغة في الجوهر. أولئك الذين يقررون مصير الجائع وهم يشربون قهوتهم في الأبراج الزجاجية، لا يسمعون بكاء الأرملة، ولا يرون يدي الطفل الممتدة عند الإشارة. لا يشعرون ببرودة العراء، لأنهم محاطون بدفء الامتيازات.
المفارقة الأليمة أن من يحمل عقلاً نقيّاً، يتّسخ قميصه وهو يُصارع الحياة، لكنه لا يلوّث يديه بالفساد. هو لا يسرق، لا يكذب، لا يتنكر لوجعه ولا لوجع الآخرين. إنّه من يعرف معنى الكرامة، حتى لو لم يمتلك إلا ثوباً واحداً.
حين نتعلّق بالمظهر، نغفل عن المعنى. لا يكفي أن تكون نظيف الثياب إن كنت ملوّث النوايا. فالثياب تُغسل، أما الفكر حين يتعفّن، يقتل أمماً بأكملها ويطفئ نور العدل.
حان وقت المراجعة. لنعيد تعريف الكرامة والقيادة والنجاح. لنعرف أن الثورة لا تخرج من صالات الاجتماعات الفاخرة، بل من أزقة الكادحين. أن النور لا يُولد من مرايا مصقولة، بل من العقول التي رغم كل الغبار، لم تتخلى عن حقيقتها.