معركة للنحالين لا تحتمل صمتا!

في ظلّ فوضى الأسواق وتراجع الرقابة، تتنامى ظاهرة غش العسل بشكل مقلق، لتحوّل هذا المنتج المبارك من غذاء ودواء إلى خليط زائف يهدد الصحة العامة، ويدمّر واحدة من أقدم المهن المرتبطة بالبيئة والاقتصاد المحلي. إنها ظاهرة لم تعد عابرة! بل تحوّلت إلى أزمة وطنية تمسّ المستهلك، وتُفقد النحالين ثمار تعبهم، وتُشوّه سمعة منتجٍ لطالما ارتبط بالشفاء والبركة.

يتمثل الغش في خلط العسل الطبيعي بكميات كبيرة من شيرة السكر أو الجلوكوز، أو بإضافة الشمع الصناعي لمنحه مظهرا خادعا، ثم يباع للمستهلك على أنه "عسل طبيعي". ما يفاقم الكارثة هو أن هذا العسل المغشوش يُروّج بثقة، دون رقابة حقيقية، مما يعرّض المستهلك لضرر صحي مباشر، خاصة لمن يعانون من الأمراض المزمنة، ويهدر أموالهم في منتج فاقد للقيمة.

والضحية بشكل رئيس هم النحالون الصادقون. أولئك الذين يفنون أوقاتهم في خدمة النحل، ومتابعة مواسم الأزهار، والتعامل مع بيئة معقدة ودقيقة؛ إذ تتعرض منتجاتهم لخسائر متتالية نتيجة المضاربة بأسعار العسل المغشوش، ما يؤدي إلى تراجع ثقة المستهلك، وتدني الطلب، وتردي السوق، ودفع كثيرين إلى التخلي عن مهنتهم، بكل ما تحمله من بعد بيئي واقتصادي وثقافي.

فالواقع يتطلب تحركا جماعيا فوريا. فعلى النحالين أن يتوحدوا ضمن نقابات واتحادات فاعلة، تعلن موقفا واضحا من الغش، وتطالب بتشريعات صارمة تُجرّم الممارسات المخادعة.

والمعركة ضد غش العسل ليست مسؤولية النحالين وحدهم. فالجهات المعنية، من وزارات التجارة والصحة والبلديات، مطالَبة بالقيام بدورها في الرقابة، والتشريع، والتفتيش، والتوعية. كما ينبغي على الإعلام والمجتمع المدني إطلاق حملات مستمرة لرفع الوعي العام، وتعليم المستهلكين طرق التمييز بين العسل النقي والمغشوش، وتأكيد أهمية دعم المنتجين النزيهين.

ولا بد أن يأخذ الخطباء والمرشدون الدينيون دورهم الريادي في بيان حرمة الغش، وفضح من يتكسبون بالكذب والخداع، من خلال منابر الجمعة والدروس الدينية. فهذه المعركة ليست فقط معركة اقتصادية، بل أخلاقية وصحية بامتياز.

فالعسل ليس سلعة عادية؛ بل هو تراث، وشفاء، ومصدر رزق شريف. وغشه جريمة تمس الجميع؛ المنتج، والمستهلك، والمجتمع بأسره. آن الأوان للنهوض، والتنظيم، والمواجهة، دفاعا عن العسل النقي، وصونا لمهنة النحل التي لطالما كانت عنوانا للطهارة والصدق.

فلنقف جميعا؛ من أجل غذاء نقي، ومهنة نظيفة، وسوق بلا غش.

والله المعين. 

ودمتم سالمين.