لا يُبنى وطن بلا أساس
الأساس هو جوهر أي عمل مؤسسي أو وطني. فلا بناء ينهض دون ركيزة ثابتة، ولا مشروع يُكتب له الاستمرار إن افتقر إلى رؤية واضحة وتخطيط بعيد الأمد. ما نعانيه اليوم في مؤسساتنا – سواء كانت داخلية أو خارجية – هو غياب هذا الأساس، لصالح مصالح ضيقة ذات طابع شخصي، سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات، أو كانت مؤدلجة وممولة من الخارج.
إن من أخطر ما يهدد الأوطان ليس العدو الخارجي، بل ذاك العدو الذي يعيش بيننا، يتحدث باسمنا، ويتلون بألواننا، بينما يسعى فقط لمصلحة فئة أو طرف لا يعنيه الوطن ولا المواطن، ولا ما يقدمه هذا الشعب من تضحيات. ما يعنيه حقًا هو كيف يُرضي أولياء نعمته ويضمن استمرار العائد، مهما كان الثمن.
وللأسف، فإن ثقافة تضخيم الأشخاص لا الإنجازات، أسهمت بشكل جوهري في جعل هؤلاء يتمادون دون حياء أو خجل، متصورين أن ما هم عليه حق مكتسب لا يجوز المساس به. وكانت النتيجة بيئة حاضنة للمرتزقة الذين يقتاتون على جراح الأمة.
ما يحدث اليوم في الوطن يستدعي أن نقولها بوضوح: لقد آن الأوان للعمل بجدية، ولإطلاق مشروع وطني منظم، قائم على نفوس صادقة حية. فالموارد ليست شحيحة إن وُجد الإخلاص، لكنها منهوبة ومسروقة، ولم يبقَ منها للوطن إلا الفتات. وغياب الضمير، وفي مقدمته النزاهة والنية الصادقة، هو ما عمّق أزماتنا. أما الدعم الخارجي، فهو يصب في مصالحهم لا في مصالحنا، والحال الراهن خير دليل يُشار إليه بالبنان.
وبدلًا من التكاتف للنهوض، شهدنا انزلاقًا نحو تبادل الاتهامات، والتخوين، والتلويح بالعمالة، من كل طرف، مما غذّى عمق التناحر المؤدلج، المبني على أحقاد الماضي وصراعاته، والمدفوع بخيرات الوطن المنهوبة.
أما الخطابات الزائفة التي تذر الرماد في العيون، فلن تجد بيئة حاضنة بين أبناء الشعب الواعي. ودعم "الشجرة الخبيثة" – التي تحظى بالحماية والتواطؤ من معظم السياسيين والقادة – ليس إلا تخديرًا متعمدًا، ودليلًا صارخًا على أن بقاءها يخدم قوى خارجية مستفيدة من استمرار الفوضى.
وإلا، فما الذي يفسر عدم المساس بشجرة القات طوال سنوات الحروب، في حين تُقصف البيوت والجسور والمقابر؟! أليس في استهداف هذه الشجرة الأثر النفسي الأكبر في كسر الهيمنة؟! لكن الحروب تُدار وفق سياسة "فرّق تسد"، وتُستخدم فيها هذه الأدوات لتغطية الفساد المستشري في مفاصل الدولة.
يجب أن نُدرك جيدًا أن الوطن لن يُبنى على يد أولئك الذين باعوا مواقفهم، وقبضوا ثمن ولائهم بعملات أجنبية، أو شقق سكنية، أو شاليهات بحرية في دول أخرى. ولن يُبنيه من يحمل جنسية أجنبية ويتقلد مناصب سيادية في وطنٍ رُهن للخارج.
كان بإمكان اليمن أن ينافس كبرى الاقتصادات، لولا أن الفساد سرق منه فرص التقدم.
اليمن لا تنقصه العقول، ولا الأيدي العاملة، ولا الموارد المالية الحقيقية، بل تنقصه النوايا الصادقة والمخلصون. وما أكثر اللصوص حين يغيب الضمير، ويُستبدل الولاء للوطن بولاءات ضيقة ومقيتة.
ومن هنا، لا بد من سن قوانين واضحة تمنع ازدواج الجنسية، وتمنع من يحمل جوازات أجنبية من تولي المناصب السيادية. كما يجب محاسبة السارقين، وتغليظ النصوص القانونية المطبقة، لا تلك التي تُكتب بحبر يمحوه التقادم، فهؤلاء من أبرز أسباب الارتهان للخارج، وضياع القرار الوطني.