ثروة خضراء لخصوبة تربة بلادنا

في ظل التحديات البيئية والاقتصادية التي تواجه الزراعة في اليمن، تبرز الحاجة إلى بدائل طبيعية ومستدامة لتحسين التربة وزيادة إنتاجيتها دون الاعتماد المفرط على الأسمدة الكيميائية المكلفة والضارة على المدى البعيد. ومن أهم هذه البدائل: النباتات المثبتة للنيتروجين، وهي نباتات تعمل على تحويل النيتروجين الجوي إلى مركبات مفيدة للنباتات الأخرى، مما يساهم في إثراء التربة وتحسين خصوبتها بشكل طبيعي ومستدام.
وهي نباتات تنتمي في الغالب إلى العائلة البقولية، وتتميز بوجود عقد جذرية تحتوي على بكتيريا نافعة. تقوم هذه البكتيريا بتثبيت النيتروجين الجوي وتحويله إلى شكل عضوي قابل للامتصاص من قبل النباتات. وعند تحلل هذه النباتات أو تقليمها، تطلق النيتروجين في التربة، مما يغذي المحاصيل المزروعة بعدها.

ولاستخدام هذه النباتات في الزراعة عدة فوائد؛ منها:
- تحسين خصوبة التربة بشكل طبيعي وتقليل الاعتماد على الأسمدة الصناعية.
- تدوير المغذيات داخل التربة وزيادة المادة العضوية.
- مكافحة تآكل التربة وتحسين بنيتها واحتفاظها بالرطوبة.
- تحسين التنوع البيولوجي في التربة وزيادة الكائنات الدقيقة النافعة.
- رفع إنتاجية المحاصيل اللاحقة، خصوصا في الزراعة التناوبية.

ومن هذه النباتات المثبتة للنيتروجين في بلادنا:
أولا: في المناطق الجبلية (كصنعاء، إب، حجة):
- البرسيم؛ فهو نبات معمر ممتاز لتثبيت النيتروجين ويستخدم كعلف.
- العدس، يزرع في المرتفعات، ويثبت النيتروجين بفعالية.
- الفول البلدي؛ مناسب للزراعة الشتوية ومفيد لتحسين التربة.

ثانيا: المناطق الساحلية (تهامة، الحديدة وأشباههما):
- اللوبيا، وتتحمل الحرارة وتثبت النيتروجين جيدا.
- الحمص، ويزرع في المواسم الباردة في تهامة وله قدرة معتدلة على تثبيت النيتروجين.

ثالثا: المناطق الجافة وشبه الصحراوية (مأرب، شبوة، الجوف):
- السنط، وهي أشجار برية وشبه برية، لها قدرة عالية على تثبيت النيتروجين وتُستخدم في مكافحة التصحر.
- الخروب اليمني، وهي شجرة تتحمل الجفاف وتزيد من خصوبة التربة في المدى البعيد.

ولتحقيق لاستفادة من هذه النباتات بشكل فعال؛ علينا الآتي:
- الزراعة التناوبية؛ أي زراعة نبات مثبت للنيتروجين في دورة واحدة ثم زراعة محصول اقتصادي في الدورة التالية للاستفادة من التربة المُخصبة.
- التغطية النباتية؛ أي زراعة النباتات البقولية ثم حرثها في التربة قبل الإزهار لتحرير النيتروجين.
- الزراعة البينية؛ أي زراعة هذه النباتات بين صفوف الأشجار أو المحاصيل الأخرى لتوفير الظل والنيتروجين.
- زراعة الأسوار النباتية؛ أي استخدام أشجار مثل السنط أو الفاصوليا المتسلقة كأسوار طبيعية مثبّتة للنيتروجين.
- اختيار الأنواع المناسبة بحسب المناخ والتضاريس المحلية.
- تدريب المزارعين على أساليب الزراعة التناوبية والعضوية.
- دعم البحوث المحلية لتطوير سلالات بقولية أكثر إنتاجا وقدرة على تثبيت النيتروجين. وإدراج هذه النباتات في خطط التحريج ومكافحة التصحر.

والخلاصة أن إدخال النباتات المثبتة للنيتروجين ضمن النظم الزراعية في بلادنا ليس مجرد خيار زراعي؛ بل هو استثمار استراتيجي في استدامة التربة ورفع إنتاجية المحاصيل وتحقيق الأمن الغذائي. وهي خطوة عملية نحو الاستغناء التدريجي عن الأسمدة الكيماوية، وبناء مستقبل زراعي أكثر استقرارا وخضرة.